بزيادة العطاء، وانتشر دعاة السوء بينهم، فحاول المؤيد أن يرضيهم بالحسنى فلم يوفق. وأخيراً اضطر إلى أن يأنبهم وأن يسامحهم باليمين التي أقسموها بين يديه وأظهروا أن الأمر إنما هو أمر الدين قبل كل شيء؛ فعادوا جميعاً يعتذرون إليه وجددوا اليمين بين يديه، وبعد أيام دعا أبا الحارث البساسيري وخلع عليه وقرأ عهده على الناس في يوم مشهود. ثم علم المؤيد أن نور الدين بن مزيد الأسدي وهو رجل العرب إذ ذاك وأكبر أمرائهم قد نقم على طغرلبك، فانتهز المؤيد هذه الفرصة وكاتبه ليحثه على اللحاق به والانضمام إليه؛ فذهب ابن مزيد إلى الرحبة ومعه جماعة من العلماء والأمراء، وأخذ يفاوض المؤيد في شروط الانضمام إليه وتحالفه معه، كما أوعز ابن مزيد للعلماء بمناظرة المؤيد أمامه في بعض المسائل الدينية والمؤيد مضطر إلى أن يصطنع الصبر، وأن يداهن ابن مزيد ومن معه، حتى قبل ابن مزيد بعد لأي أن يقسم يمين بين يدي المؤيد؛ فكتب المؤيد له العهد ولقبه (بالأمير سلطان ملوك العرب سيف الخلافة صفي أمير المؤمنين)، ومع ذلك كله أخذ ابن مزيد يطالب المؤيد بأمور من شأنها أن تقسم الجيش وتبعد ابن صالح والمؤيد يقابله بشيء من المكر والدهاء، ويحاول أن يسعى بين ابن صالح وابن مزيد، ولكن سعيه (كان سعي امرئ بين ضباع تتهارش، وذئاب تتجارح وتتحارش) فالجيش كما قلت كان من أجناس مختلفة ومذاهب متباينة تدب فيه روح التشاحن والتباغض، مما جعل المؤيد يصبح ويمسي في التوفيق بينهم، وفي ذلك يقول المؤيد (وكنت أصبح وأمسي في أثواب من انقطعت به الحبال، وضاعت على يده الأموال، وضاقت به من الهم السهول والجبال، غير أني أظهر في خلال ما أقاسيه جلداً، ولا أشعرت بحزازات صدري أحداً، وازداد الأمر سوءاً بورود نجدة من دمشق من بعض الأمراء الكلبيين الذين سرعان ما ضجوا وتذمروا زعماً منهم بأنهم جردوا على أن يشهدوا جيش القبائل العربية خارجاً عن جماعة الأتراك والأكراد، فاضطر المؤيد إلى أن يغريهم بالأموال الجزيلة، وأن يضاعف عطاءاتهم، فساروا مع باقي الجيش إلى أن ظفروا بالانتصار على جيوش طغرلبك في رمضان سنة ٤٤٨ في موقعة سنجار، وهي الموقعة التي أشار إليها ابن حيوس الشاعر بقوله: