ومن مستخلف بالهون يرضى ... يذاد عن الحياض ولا يذود
وأعجب منهما سيف بمصر ... تقام به بسنجار الحدود
بانتصار المؤيد في هذه الموقعة استطاعت جيوشه أن تدخل الموصل في شوال، واستطاع كذلك بعض الأمراء الذين ترددوا من قبل في محالفة المؤيد أن يسارعوا بالانضمام إليه وشد أزره، وأن يقيموا الدعوة في بلادهم باسم المستنصر الفاطمي صاحب مصر
ولكن الجيش عاد إلى الانقسام وأنفصل عنه بنو عقيل، وتبعهم عدد كبير، وانتهز طغرلبك هذه الفرصة فأسرع للانتقام منه، كما أن الكندري وزيره أخذ في الاتصال بالأمراء الذين انضموا للمؤيد، وأخذ الكندري يخدعهم ويمنيهم بالولايات المختلفة فاستجاب له بعضهم، ولما رأى البساسيري حالة جيشه اضطر إلى الهرب؛ فتشتت بذلك شمل جيش المؤيد الذي كان في الرحبة، وكان يظهر للناس جلداً ويشجعهم ويقوي من نفوسهم ويحاول لم شعثهم. أما في قرارة نفسه فكن كما وصف نفسه، (وأنا في باطن أمري متكفن متخبط أنتظر تخبط الأيدي لي من كل مكان، وأجمع أمري على أنه إن دهمني ما أحذره رميت بنفسي في جانب البر؛ فلا أزال أضرب فيه إلى أن يحضرني حاضر الجوع والتعب والعطش فأهلك، وإن أدركني طالب من جهة العدو أبيت أن أعطيه قيادي دون أن أقطع قطعه قطعة تفادياً من أن أقاد إليهم حياً). وأمر المقربين إليه بالابتعاد عنه، أو الهرب من الرحبة خوفاً عليهم من سطوات العدو. وأخيراً اضطر المؤيد نفسه إلى أن يهرب من الرحبة؛ فدخل حلب سنة ٤٤٩ ومكث بها يترقب ويكاتب الأمراء والقواد، وفي حلب ناظر المعري في مسألة تحريم أكل اللحوم، وهي المناظرات المتداولة المعروفة. وسنتحدث عنها فيما بعد
أخذ المؤيد في إرسال الرسائل للأمراء يستميلهم إليه مرة أخرى، ويعدهم النصر على أعدائهم، وكان على صلة بالبساسيري الذي لم ييأس، بل جمع إليه بعض الجند، وكاتب المؤيد يطلب مقابلته دون أن يفطن أحد إلى هذا اللقاء، فتقابلا في دير حافر، (وهي قرية بين حلب وبالس)، واتفقا على الخطة التي يجب أن يسيرا عليها حتى ينجح مسعاهما. ثم جاء إلى المؤيد وفد من قبل إبراهيم بن نيال يطلب من الظاهر الخضوع لطغرلبك، وفي الباطن يطلب من المؤيد أن يخلع على ابن نيال، ويلقبه إذا غدر بطغرلبك، وشايع المؤيد وملك البلاد باسم الفاطميين، فرحب المؤيد بذلك، وأمر البساسيري بالرجوع إلى الرحبة،