للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الزمان لذة الشراء لما يهوون، وغذاها كثرة الشراء وأحاديث الهواة الذين يحيطون به وإظهارهم الإعجاب الشديد بما اقتني، فإذا نظروا إلى سجادة عجبوا من لونها الباهت، وخيطانها التي هلهلها الزمن، وصورها غير المنسجمة، ونحو ذلك مما يدل على إمعانها في القدم، وكلما كان خيطها أبلى، ونسيجها أبسط، كانت أشد استخراجاً للعجب، وكانوا أكثر لها تقويماً، وأشد لها إعظاماً، وكانت لذة الشراء عند الهواة أشد طغيانا، وهم أمامها أشد ضغفاً.

هذه اللذة - لذة الشراء - يستغلها أرباب (المزاد) فهم يثيرونها إلى أقصى حدودها، ويبلغون مبلغاً جنونياً، فتحتدم الذات، ويخضع الشارون لتأثير الاستهواء، ويتغالبون في أثمان ما يعرض حتى قد تفوق أثمان الشيء الجديد، ولكن الشيء الجديد يشترى والعقل الواعي في سلطانه، وأما أشياء (المزاد) فتشترى والعقل الواعي قد أسدل عليه ستار من الاستغواء والاستهواء، ومن أغرب ما في هذا النوع أنك ترى الكثيرين يندمون إذا اشتروا، ويندمون إذا لم يشتروا.

ولذة الشراء هي السبب في أنك تشتري لزوجتك وبناتك الثوب الجميل، أو الحذاء الظريف، فتعرضه عليهن فلا يعجبهن، ثم يخرجن ويشترين ما هو أقل من جمالا وظرفا ثم يعدن راضيات، قد يكون السبب أن ما اشتريته ليس على ذوقهن، وأن هناك فرقاً كبيراً بين ذوق الرجال وذوق النساء، وأنك إذ تشتري لهن تحكم ذوقك في ذوقهن، ولكن يظهر لي أن ذلك في كثير من الأحيان ليس السبب الصحيح، وإنما السبب الصحيح أنك إذ تشتري لهن تحرمهن لذة الشراء، وهي في نفسها قد تفوق الشيء المشترى نفسه، ويفسر هذا أن السيدة قد تخرج وليس في نفسها شيء معين تشتريه، ولا تحس حاجة إلى شيء يشترى، وإنما هي - في أعماق نفسها - تريد أن تغذي لذة الشراء عندها، فما هي إلا أن تمر في دكان سمعان أو شملا أو شيكوريل حتى تشتري، وتشتري كثيرا، وتشتري ما لم يخطر لها على بال، ثم ترجع راضية لأنها أشبعت لذة الشراء عندها.

ولو أن الناس - وخاصة السيدات - اقتصروا على شراء ما هم في حاجة إليه لأغلقت دكاكين كثيرة، ولقل العرض وقل الطلب - ولكن لذة الشراء عندهم دفعتهم أن يشتروا ما لم يحتاجوا، وأوهمتهم في كثير من الأحيان بالحاجة إلى ما ليس لهم به حاجة - وإلا فما حاجتي إلى شراء كل هذه الكتب والمكتبات العامة مفتحة الأبواب؟ وما الحاجة إلى سراء

<<  <  ج:
ص:  >  >>