للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

نسختين من كتاب واحد والتعلل في ذلك بأتفه الأسباب؟ وما الحاجة إلى ملء البيت بهذا الأثاث وأقل منه يكفي ويزيده حسنا؟ وما الحاجة إلى شراء المرأة هذه الثياب المختلفة الألوان والأنواع، وقد لا تحتاج إليها مرة في الحياة؟ - لا شيء إلا لذة الشراء.

ويحدث في هذا الباب غرائب. فما وقوفك على الدكاكين واستعرضك ما فيها إما فيها إلا نوع مما تدعو إليه هذه اللذة، فان اشتريت فيها، وإلا فهو نوع من ظل اللذة كالسكير يتلذذ قليلا في رؤية الشاربين ولو لم يشرب معهم، والمحب يسر بعض الشيء من رؤية المحبين يتواصلون ولو هجره هو حبيبه.

قد كان من المعقول والطبيعي أن الناس - وهم يتلذذون هذه اللذة الشديدة القوية بشراء - يتلذذون كذلك لذة شديدة قوية بالملكية ثم يستمرون على التنعم بها، والتمتع الدائم بملكها، ولكن جرى الأمر في هذا العالم على غير ما يتوقع، فهم راغبون أشد الرغبة في ملك الأشياء، والملكية تذهب بلذتها. فالناس مولعون أشد الولع بالملكية حتى لو استطاعوا أن يملكوا القمر في السماء لملكوه، ولو ملكوه لحرموا جماله، وهم مولعون أن يملكوا كل شيء إلى درجة الجنون، حتى لو استطاعوا أن يسلبوا السماء زرقتها، والمزارع بهجتها، والبحار جمالها ليجعلوها في حوزتهم لفعلوا - وقد أدرك مهرة الباعة هذا الجنون في الإنسان فتفننوا في عرض ما يبيعون بحسن الوضع وتزويق وإيهام الترخيص وكثرة الإعلان في شكل جذاب يوقع في الوهم أن الشراء فرصة لن تعود، وأن ملكية الشيء تملأ الحياة سعادة وغبطة - ولو أنك دخلت بيوت الأغنياء والطبقة الوسطى لرأيت كثيرا مما فيها لا حاجة للبيت إليه، بل قد حمل أكثر مما يطيق حتى ذهبت بساطته، وزاد تعقده، واحتاج إلى زيادة الخدم والاتباع للعناية بنظافته وترتيبه، وجعل الحياة أكثر تعقداً وأشد ارتباكاً، وما دعا إلى هذا كله إلا لذة الشراء وجنون الملكية، وما قصر الفقراء في هذا إلا أنهم لا يجدون ثمن ما يطلبون، ولو أتيح لهم ذلك لأفرطوا في الشراء إفراط الأغنياء، ولولا جنون الملكية لكانت الحياة أبسط، ووسائل العيش أيسر، والتنعم بها أتم.

وكأن الطبيعة العادلة أرادت أن تعاقب على هذا النوع من الجنون، فسلبت المالك أكثر ما يتصور من لذة، فالشيء جميل لذيذ ممتع، فيه كل ما يتمنى المرء من سعادة ما لم يملك، فإذا ملك لم يجد فيه المالك كل ما يتصور ويتخيل، وأصبح أقل قيمة مما يأمل، ولا تزال

<<  <  ج:
ص:  >  >>