فأنتوني ترولوب قبل كل شيء كاتب القرية (البسيطة)، ولا سيما قرى الريف الأيرلندي حيث قضى (مونتي) أوائل صباه. وهو كذلك كاتب المعيشة الدينية الصادقة، فقلنا تخلو له قصة من ظل الكنيسة ومعيشة الورعين الأتقياء من رجالها واللائذين بجوارها. ويغلب على قصصه كلها جو السلامة الفطرية مع شيء من البداهة ومسحة من الشظف والخشونة. وإذا مس الناحية السياسية فهو يمسها من جانب التعميم، لا من جانب التحيز البغيض والعصبية الممقوتة
ومن خصائصه التي يمتاز بها بين معاصريه حاسة الواجب أو الضمير الصراح، وتشمل هذه الحاسة نساء رواياته، كما تشمل الرجال البارزين فيها. فيوشك أن ينعقد كل زواج في رواياته على الشعور بالواجب والوفاء دون المتعة والهوى، وتقضي المرأة بقية العمر شقية بهذا الواجب في مصارعة الغواية أو دفع الفكر والمصلحة
وتقترن (حاسة الواجب) بالصرامة التي تلازمها في أصحاب هذه الحاسة اليقظى، وإن كانت صرامة يمازجها الذكاء والتصرف والطبع المستجيب
أما أسلوبه في شرح وقائعه ووصف مناظره فهو أسلوب التفصيل الدقيق مع التشويق والإحاطة، وفيه ملكة يصح أن نسميها بالملكة (الطبوغرافية) إذا أردنا أن نقرن بينها وبين الملكة العسكرية
ويشع في رواياته جميعاً بريق من التهكم الطيب الرفيق الذي لا وخز فيه ولا ضغينة، وكثيراً ما يرسل هذا التهكم الخفي على خلائق من صنيع خياله الصادق وديدنهم الجد وصعوبة المراس والغلظة الريفية، ولكنه إذا تخيلهم فإنما يتخيل في وصفهم ذلك التخيل (المضبوط) الذي لا يخرج بهم عن الواقع المحسوس
تلك جملة الحقائق التي عرف بها الكاتب الدؤوب الموهوب؛ وحسبك من صفاته الخلقية - إلى جانب صفاته الأدبية - أنه كان يدأب على التأليف وهو مقيد بأعمال وظيفية في مصلحة البريد، فلا يقصر في التأليف ولا يقصر في تلك الأعمال
وكلا الكاتب والقارئ إذن عنوان صاحبه في جملة هذه الخلائق والطباع. فترولوب هو الكاتب (المنتقى) لمونتغمري، ومونتغمري هو القارئ المنتقى لترولوب
فالقائد الموهوب الدؤوب قد نشأ في بيئة دينية مشهورة بالتقوى والبساطة، وصحب الجنود