والضباط فلم تغيره صحبتهم عن هذه الخليقة الموروثة معاً في أبيه وأمه. فجاوز الخمسين وهو لا يدخن ولا يقرب الخمر ولا يحيد عن سنن الدين. وأخذ مرؤوسيه باجتناب الخمر والتدخين من طريق غير طريق الأمر والنهي اللذين لا يفيدان، فكان يكلف جميع رجاله وضباطه بالعدو في كل أسبوع شوطاً يبلغ سبعة أميال. ولا صبر للمدخن ولا لمعاقر الخمر على هذا الشوط ولو مرة في كل أسبوع
وصرامته في خلقه وحاسة الواجب عنده خصلتان من أشهر خصاله بين رؤسائه ومرءوسيه، فهو إذا جد لا يهزل وإذا عزم لا ينثني. ومن أقواله لجنوده في دنكرك:(إذا نفذت ذخيرتكم فمزقوا العود إرباً إرباً بأيديكم) ولم يكن يعني غير ما يقول
ومن مزايا مونتغمري في قيادته أنه عظيم العناية بالأرض ومواقعها قبل تطبيق خطط القتال عليها. ولعله لم ينس هذه العناية العظيمة في إعجابه بكتابة ترولوب. فإن وصف ترولوب لمواقع أرضه ووصفه لخلائق رجاله ونسائه كلاهما وفاق الرغبة من سليقة هذا الجندي الموهوب
ٍفإذا قال القائلون: من كلامهم تعرفونهم، فهم حريون أن يقولوا مثل هذا القول عن القراء وعن الصلة الخلقية بين المؤلفين والقراء المطبوعين. وكان إنسان يعرف الجسد خلقاً وعادة فهو قارئ مطبوع يقرأ بفؤاده وعقله ومزاجه، لأنه يأنف أن يضيع الوقت في تسلية خاوية لا تنفذ منه إلى مكامن الفهم والشعور
ولهذا ينبغي فيما نرى أن تكون مطالعات العظماء باباً من الأبواب الأولى التي لا يغفلها المترجم ودارس الأخلاق، لأنهم سواء قرءوا للجد أو للتسلية ينكشفون للمترجم ودارس الخلاق فيما يقرءون
وهناك حقائق شتى تنكشف من مطالعات العظماء، ولا سيما في ميادين الحرب إبان القتال
فأول ما يخطر على البال حين يقال إن قائداً من قادة الحرب يقرأ في ميدان القتال أنه يقرأ في كتب التعبئة أو الفنون العسكرية أو سير القواد وأخبار الوقائع والغزوات
ويجوز أن يحدث هذا في الحين بعد الحين، ولكنه إذا حدث فهو الاستثناء النادر، وليس بالقاعدة العامة في أكثر الأحيان
لأن القائد لا يتعلم خططه ساعة القتال، ولا يتمم دروسه وهو بين السيوف والنيران، ولكنه