للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

يقرأ ما يقرأ في ساحة الحرب كلم فرغ من واجبه وخلا بنفسه وأحب الخروج هنيهة مما هو محيط به ومطبق عليه، وهو في هذه الحالة يختار للقراءة غير ما هو مشغول به مستغرق فيه، ليظفر بما يبتغيه من الترفيه والترويح، ويحتسب القراءة من الرياضات النافعة التي تنسيه جهود العمل ومضنياته إلى حين

ومن قواد هذه الحرب الذين عرفوا بالقراءة في ساحات القتال أو في طريقهم إلى الغزو كل من القائدين ويفل وإيزنهور فكان ويفل يقرأ في طريقه إلى الحبشة مسرحية من مسرحيات شيكسبير، وكان يقضي أوقات فراغه بمطالعة الدواوين الشعرية لمختلف الشعراء، ومن جملة هذه المطالعات جمع تلك النخبة الطريفة من الأشعار التي سماها: (أزهار أناس آخرين) وكتبنا عنها في الرسالة منذ أسابيع

أما إيزنهور فقراءته المحببة إليه روايات التحليل النفسي وحوادث المفاجآت التي تجري في حياة الغرب من القارة الأمريكية، وكلاهما مما يقع في الخاطر أنه محبب إليه وأثير لديه

وخليق بهذه الملاحظات أن تحضر أبداً في إخلاد أولئك الدعاة المتحذلقين الذين يصطنعون الغيرة على الطبقات الفقيرة أو الطبقات العاملة وهم من أجهل الناس بما يصلح لتلك الطبقات

فمن حذلقتهم في هذه الدعوة - أو هذه الدعوى - أنهم يفرضون على الفقير أين يعيش في عالم الخبز والضرورة ساعة العمل وساعة المطالعة وساعة الرياضة النفسية، إن اعترفوا بشيء يسمى الرياضة النفسية

وذلك محض خطأ وضلال عجيب؛ لأن المرء إنما يقرأ للثقافة أو للرياضة والتسرية عن البال، وليس من والتثقيف أن يتحول الكاتب إلى رغيف، وليس من الرياضة أن يحلم المرء بالجهود والضرورات، وهو لا ينشد الرياضة إلا لفرط اشتغاله بتلك الجهود والضرورات

وإنها مع هذا لمهانة وليست بالخطأ وكفى. لأن الذين يطلبون التسوية بين الطبقة الفقيرة وغيرها من الطبقات لا يجمل بهم أن يسجلوا على الطبقة الفقيرة عجزها عم مجاراة غيرها في مذاهب الفهم والتخيل والشعور المهذب والمطامح الآدمية، ولا ينصفون عقول الفقراء

<<  <  ج:
ص:  >  >>