للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

المتنبي:

وقفت وما في الموت شك لواقف ... كأنك في جفن الردى وهو نائم

تمر الأبطال كلمى هزيمة ... ووجهك وضاح وثغرك باسم

وفيهما مشهد استعراض متحرك يضاعف جمال المعنى الذهني المجرد

ومثل بيتي المعري الفريدين:

رُبَّ قبر قد صار قبراً مراراً ... ضاحك من تزاحم الأضداد

ودفين على بقايا دفين ... في طويل الأزمان والآباد

وما فيهما من سخرية مصورة شاخصة، تتسق مع السخرية النفسية، وتوضح رموزها وتجسمها

ونكتفي بهذه النماذج لتصوير ما نريده من الجمال الفني في الصور والظلال حين يرسمها التعبير. ثم ننبه هنا إلى لبس قد يؤدي إليه سياق المقال:

نحن لا نعني أن طريقة التصوير وحدها تؤدي إلى أن يأتي كل من يتبعها بقرآن أو ما يشبه القرآن، ولا أن يبلغ هذا المدى الذي بلغه مسلم والمتنبي والمعري وكثيّر وغيرهم. فليست طريقة من طرق الأداء عصا سحرية تبلغ بمفردها مدى الإعجاز والعبقرية!

إنما نعني أن هذه الطريقة أنسب للتعبير الفني من الطريقة التجريدية، وأن الشاعر الواحد يبلغ بها في إنتاجه ما لا يبلغه من الجمال الفني لو اتبع الطريقة الذهنية. ثم يبقى بعد ذلك مجال التفاضل في الإحساس لم نمسه، ولم نحاول البحث فيه. فتلك هبة توهب، أما الطريقة فهي خطة يلفت إليها النظر، وإن كان لها من الهبة الَّلدُنَّية نصيب

سيد قطب

<<  <  ج:
ص:  >  >>