إشفاقه عليها وشغفه بها في رثائه لها، وأنه يذكر أيام صباه الماضية في بلده بين أهله وقومه:
أما الأحبة فالبيداء دونهم ... فليت دونك بيد دونها بيد
ولا بد لنا ونحن في الحديث عن غزله من أن نلم بالأبيات الجميلة التي تغزل فيها بالأعرابيات وعرض بالحضريات:
ما أوجه الحضر المستحسنات بها ... كأوجه البدويات الرعابيب
حسن الحضارة مجلوب بتطرية ... وفي البداوة حسن غير مجلوب
أين المعيز من الآرام ناظرة ... وغير ناظرة في الحسن والطيب
أفدي ظباء فلان ما عرفن بها ... مضغ الكلام ولا صبغ الحواجيب
ومن هوى كل من ليست مموهة ... تركت لون مشيبي غير مخضوب
ولا شك أن هذا الغزل البدوي، والتظاهر بالشغف بالأعرابيات إنما هو أثر من آثار النقمة على المرأة فقد اتخذ من بساطة البدويات وسيلة للحملة على غادات المدن وانشغالهن بالزينة والتطرية والتجميل فتهكم على أصباغهن ومساحيقهن، وهزأ بمضغهن الكلام وشبههن بالمعزى، وعاب عليهن تمويه الحقائق وجردهن من كل محمدة وحسن، ومع ذلك ومع أنه اتخذ الأعرابيات ترساً بتواري وراءه في الهجوم على الحضريات فإن سجيته أبت إلا أن تتغلب عليه فلم يستطع أن يترك ثناءه على نساء البدو خالصاً لا شائبة فيه، بل عاوده داؤه المزمن في الغضب على الجنس البشري والنقمة على بني الإنسان فغمز من البادية وأهل البادية غمزة قاسية:
فؤاد كل محب في بيوتهم ... ومال كل أخيذ المال محروب