وما أجدرنا أن نستشعر - من الإشفاق والحذر - أضعاف ما شعر به فيلسوفنا - قبل مئين عشر من السنين، وأن نزيد، إلى شرحه - أضعاف ما أثبته، وأن نترجم نصوصه إلى الأسلوب العصري، وأن نصنع بها صنيعنا في أجزاء (حديقة أبي العلاء) و (رسالة الهناء)، حتى لا يضجر شبابنا الذكي بما يعترض طريقه إلى هذه الجنات الفكرية - بين خطوة وخطوة - من صخور وهضاب ومتاعب وصعاب، إن كانت تؤمن معها العثرات، فلا مرية أنها - على الأقل - معوقات
٤ - في صحبة المعري
ولا أكتم القارئ أني - كلما امتدت بي صحبة هذا الفيلسوف الموهوب، ورأيت إقبال الخاصة على أدبه الصادق وخياله الأصيل - وجدت لذلك في نفسي غبطة لا يعدلها إلا غبطتي بما أكن من حب وتقدير لهذه الشخصية العالمية الفذة التي تفتن الباحث بما انفردت به من الخصائص والمزايا؛ فيؤثرها على غيرها من الشخصيات - في عالم الفكر والبيان - ولا تلبث عبقريتها أن تملك عليه من مذاهب التكريم والإعجاب قدر ما ملكت آثارها الرائعة من مذاهب الجودة والإبداع.
٥ - تبسيط الآثار العلائية
وإنه ليطيب لي أن يكون في موالاة الحديث عن (أبي العلاء) تجلية لما بقي في أيدينا من روائعه بين قراء العربية، وإذاعة لخصائص ذلك الفكر النفاذ بألمعيته إلى سرائر الكون ودقائق الحياة، المؤيد بقدرة ساحرة على التصور والتصوير، وتملك شامل لناحية اللغة في الإبانة والتعبير.
ولست أشك في أن تبسيط هذه الكتب العلائية، وترجمة جمهورها إلى الأساليب العصرية، سيخلق من المتأدبين أشياعاً جدد لأبي العلاء، ومريدين عارفين بدقائق مراميه، وغوامض أهدافه ومعانيه، ونصراء لأدبه الرفيع، وصحابة يؤمنون بفنه العالي، فلا يلبث صاحب (الغفران) و (اللزوميات)، و (الفصول الغايات) أن تزف إليه مكانة الصدر التي ينفرد بها بين قادة الفكر العربي غير منازع