في عدد الرسالة الأخير تصويبات لغوية للأستاذ عبد الحميد ناصف المدرس بكلية اللغة العربية، وقد أدهشني أن أرى فيها كثيراً من الأخطاء التي لا يصح إغفالها والسكوت عليها فآثرت أن أنبه على بعضها
١ - يدعى الأستاذ أن الصدفة كلمة لغوية بالرغم مما شاع من عدم لغويتها، فكثير من المعاجم وكتب اللغة كاللسان أوردها، وفي حديث أبي ذر (والبر ما حاك في النفس ولم تلده الصدفة)
ولقد اطلعت على اللسان والقاموس والمختار والمصباح فلم أجد كتاباً أورد لفظ صدفة، على أن الذي حيرني واستوقفني أثار عجبي هذا الحديث الذي ذكره. وليت شعري كيف يسيغ الأستاذ مثل هذا الخلط العجيب الذي لا تصححه رواية، ولا تجيزه دراية ولا يلتئم عليه معنى؟ وهل يستجيز عقل أو يستبيح ذوق أن يكون البر مما يحوك في النفس ويتردد في القلب؟ وأين يقع الإثم إذا؟
لقد ورد هذا الحديث في كتب السنة هكذا (عن النواس ابن سمعان رضى الله عنه) قال: سألت رسول الله (ص) عن البر والإثم فقال: البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس. وفي رواية أخرى سأل رجل رسول الله (ص) عن البر. فقال: جئت تسأل عن البر. قال: نعم فقال: استفت قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وأن أفتاك الناس أفتوك، وهكذا كل روايات الحديث، وهي موافقة للمعنى المستقيم الذي يتبادر إلى الذهن لأول وهلة، ولم يرد فيها لفظ الصدفة، ولا هي مما تمت إلى معانيه بسبب. فمن أين أدخلت على الأستاذ روايته وكتب السنة بأجمعها دون استثناء ليس فيها كلمة صدفة المقحمة في هذا الحديث
وأعجب شيء أن يستدل بصحة هناء يقول الشاعر:
هناء محا ذاك الغراء المقدما ... فما عبس المحزون حتى تبسما