للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

قوله ويهيب بقومه أن يدركوا ذرية الخيول الإنجليزية بدم غريب قبل أن يبلغ بها الضعف مبلغاً لا تجدي فيه المداركة

والقول الفصل في هذا الخلاف غير مستطاع، ولكننا نسيغ بالعقل سبب الضعف الذي ينجم من تزاوج الأقربين وهو اشتراكهم في الاستعداد للأمراض والعوارض الخلقية أو الخلقِية، فإذا انتفى هذا الاشتراك فليس يتضح أمامنا سبب للتحذير من هذا الزواج، وليس فيما شاهدناه من الأمثلة دليل على أن زواج الأقربين أضر بالذرية من زواج الأبعدين

أما زواج المصريين بالأوربيات فلا ضرر من الوجهة الجسدية مع سلامة الزوجين، وفيه إلى جانب هذا مزايا التلقيح بالدم الجديد الذي شوهدت حسناته في كثير من الشعوب والأفراد

ونحن نعتقد أن المسألة هنا ليست مسألة اللحم والدم وصحة الجوارح، ولكنها مسألة (الأعصاب) التي هي خزين الملكات والمواهب الخلقية والعقلية ومناط التفاضل الكبير بين الأقوام والأجناس. فقد تكون المرأة صحيحة الدم واللحم بريئة من عوارض السقم والهزال، ولكنها لا تنفث في أبنائها نشاطاً جديداً ما لم يكن مصدر هذا النشاط ذلك الخزين العصبي الذي تكنزه بعض الأمم بالتجارب النفسية والجسدية في عشرات الألوف من السنين

فهذا الخزين العصبي هو الذي يستفاد من البناء بالأوربيات ولا سيما بنات الشمال

ومن هذه الوجهة لا اعتراض على زواج المصريين بالأوربيات أو من يشابههن في هذه الخصلة، وإنما يأتي الاعتراض على هذا الزواج من الوجهة القومية والوجهة الأخلاقية والوجهة الإنسانية على السواء

فالنساء المصريات اليوم أوفر عدداً من الرجال المصريين، فإذا تركهن أبناء وطنهن ليبنوا بالأجنبيات فعاقبة ذلك عضل مئات الألوف من البنات في سن الزواج، وعاقبة هذا العضل فساد في الأخلاق وبلاء على المجتمع المصري يربيان على كل نفع مرجو من البناء بالأوربيات ولو كن من أفضل النساء

وهكذا يرى الأديب صاحب الخطاب أن شئون الأمم تعالج جملة من جوانب كثيرة ولا يقتصر العلاج فيها على جانب دون جانب. وعندنا أن الأمة التي تكون كل فتاة فيها متزوجة في سنها المعقول أسلم من الأمة التي ينجب فيها عشرة آلاف أو عشرون ألفاً نسلاً

<<  <  ج:
ص:  >  >>