وقد كان اجتناب الأقربين في الزواج مذهباً معروفاً بين العرب، وإن لم يتفقوا عليه، فكان أناس منهم يعتقدون أن الولد يجيء من القريبة ضاوياً (لكثرة الحياء من الزوجين فتقل شهوتهما، ولكنه يجيء على طبع قومه من الكرم)، وفي ذلك يقول أحدهم:
يا ليته ألقحها صبياً ... فحملت فولدت ضاويّا
ويروى عن النبي عليه السلام أنه قال:(اغتربوا ولا تضووا)، حديث لا نقطع بصحته، لأنه عليه السلام قد زوج بنيته من الأقربين، كما ذكر الأديب صاحب الخطاب
أما الرأي الذي يوشك أن يستقر عليه الخبراء بهذه الشؤون فهو أن الزواج بالأقارب لا ضرر فيه من الوجهة البيولوجية إلا في حالة واحدة، وهي أن يغلب على الأسرة كلها استعداد جسدي لبعض الأمراض، كما يتفق أن يغلب على بعض الأسر الاستعداد لأمراض الصدر، أو اختلال الأعصاب أو سوء الهضم، أو ما شاكل ذلك من دواعي الضعف التي تورث وتنتقل إلى الأبناء. فإن الولد إذا ورث الاستعداد للمرض من أبيه وأمه كانت وقايته منه أصعب من وقاية أبويه، وهذه حالة لا شك في ضررها، سواء كان تشابه البنية في أسرة واحدة أو في أسر غريبة. إذ لا يجوز لرجل مستعد لمرض من الأمراض أن يتزوج بامرأة مستعدة لهذا المرض على التخصيص سواء كانت من أهله أو غير أهله
أما في غير هذه الحالة فزواج الأقارب مأمون من الوجهة البيولوجية على قول الأكثرين من الثقات. وقد روي وستر مارك في كلامه عن أحدث الآراء في موضوع الأكسوجامي مشاهدات بعض المعنيين بتجربة التلاقح بين الحيوانات فإذا بالكثيرين منهم يتفقون على أن هذه الحيوانات سلمت من عوارض الهزال المزعوم وأنجبت ذرية من أحسن أنواعها في صفات القوة والنشاط، ولا سيما الحيوانات التي يعنى بانتخابها وإبعاد الضعيف منها لأسباب فردية لا علاقة لها بالبنية الموروثة
ومع هذا أي قول من أمثال هذه الأقوال يمضي بغير خلاف من النقيض إلى النقيض؟
فمن أعجب التناقض في هذا الصدد أن الكاتب بت رفرس - ينفي الضرر من تزاوج الحيوانات القريبة ويجعل شاهده على ذلك خيول السباق، فإذا بزميل له في هذه البحوث وهو سير جيمس بن بوكوت يناقض هذا الرأي ويتخذ خيول السباق نفسها حجة له على