للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

موضوع إرادة الله في الخير والشر، ثم البراءة من أشعار قالها بعض الملحدين. أما سؤال الداعي فلم يجب عليه جواباً شافياً. ولو طالت حياة أبي العلاء لظفر الدب العربي بثروة أدبية فلسفية لها قيمتها

أما ما قيل من أن المؤيد داعي الدعاة أمر بأن يحمل إليه المعري بحلب ليخيره بين الإسلام والموت، وأن المعري خاف على نفسه، فشرب السم؛ فهذا ما لم يقبله أحد من القدماء ولا المحدثين

والآن نتساءل هل كان المعري بدين بمذهب الفاطميين؟ فقد جاء في كتاب (الفلك الدوار في سماء الأئمة الأطهار) أن المعري كان أحد دعاة الحاكم بأمر الله الفاطمي وابنه الظاهر)!

ولا أدري من أين استقى مؤلف هذا الكتاب هذا الخبر إذ لم يقع بين يدي من كتب الدعاة ما يؤيد هذا الزعم، بل لم أجد داعية من دعاة المذهب الفاطمي يشير إلى أن أبا العلاء كان من زمرتهم ولو صح هذا الخبر لوجدت الدعاة على عادتهم يطنطنون بذكر كل نابغة يظهر بينهم، حتى لو فرض أن أبا العلاء اتخذ التقية لنفسه وستر حقيقة مذهبه ومرتبته في الدعوة لما خفي ذلك عن كبير دعاة المذهب وهو المؤيد في الدين، ولما احتاج الداعي الأكبر إلى مناظرة المعري لكشف ستره ومعرفة حقيقة مذهبه، لأن الداعي الأكبر عنده سجل الدعاة، وهو أعرف الناس بهم

حقيقة نجد في لزوميات أبي العلاء بعض العقائد الفاطمية، ولكن هذه الآراء التي ذكرها المعري لا تقوم دليلاً على اعتناقه المعري لهذا المذهب. فقد كانت التيارات الفكرية في عصر المعري تتحدث بهذه الآراء، وكان المعري في وسط يخضع للنفوذ الفاطمي سياسياً ودينياً، وشب المعري وقد امتلأ فكره بعقائد الفاطميين وآرائهم، وحوى منها الشيء الكثير؛ فلما نضج واستطاع أن يميز بين المذاهب المختلفة والآراء المتباينة تخلى عن كثير من عقائده وآرائه السابقة التي كانت تسود بيئته وعصره، وكون لنفسه مذهباً حراً لا يتقيد برأي ولا يتعصب لمذهب دون مذهب. فأغضب معاصريه سواء أكانوا على مذهب الفاطميين أم من جمهور أهل السنة، واتهم في دينه شأنه في ذلك شأن كل المصلحين وزعماء الفكر الحر في جميع أنحاء لعالم

فالمعري لم يكن من دعاة المذهب الفاطمي، بل لم يكن ممن اعتنق هذا المذهب، بل كان

<<  <  ج:
ص:  >  >>