للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كل الأعمال التي عملت تحت الشمس، فإذا الكل باطل وقبض الريح. الأعوج لا يمكن أن يقوّم، والنقص لا يمكن أن يجبر. أنا ناجيت قلبي قائلاً: هأنا قد عظُمتُ وازددت حكمة أكثر من كل من كان قبلي على أورشليم، وقد رأى قلبي كثيراً من الحكمة والمعرفة، ووجهت قلبي لمعرفة الحكمة، ولمعرفة الحماقة والجهل. فعرفت أن هذا أيضاً قبض الريح. لأن في كثرة الحكمة كثرة الغم، والذي يزيد علماً، يزيد حزناً.

هذا كلام قديم، وترجمته ترجمة رديئة من حيث الأسلوب العربي. ولكن هذا لا يفقده طابعه الفني العالي.

هنا إنسان يغمره السأم والملال، ويطويه اليأس والقنوط ولكنه لا يقول: إنه ملول سأمان، ولا أنه يائس قانط، إنما يرسم لك صور الحياة والأشياء في نفسه، ويدعك ترى نفسه في هذه الصور والأشياء:

الكل باطل. وحركة الحياة مكرورة معادة، لا شيء جديد تتفتح له النفس، ويتطلع له القلب، الأرض قائمة إلى الأبد، والشمس تشرق والشمس تغرب وتسرع إلى موضعها حيث تشرق. والريح كذلك. تذهب دائرة وإلى مداراتها ترجع. والأنهار تجري إلى البحر، والبحر ليس بملآن. . . فالطبيعة هنا - من خلال هذه النفس - يغشيها السأم والملال والتكرار العقيم.

ثم ماذا؟

ثم هذا هو الإنسان. تقصر كلماته عن التعبير عما في نفسه، والعين لا تشبع من النظر، والأذن لا تمتلئ من السمع، فهو عبث كله ما يحاول من الكلام والنظر والسمع، وسائر ما تهم به الجوارح والوجدانات. على أنه ليس هناك جديد تحت الشمس، كل ما يكون فقد كان. ويزيد عبث المحاولة لأي شيء في هذه الدنيا أن ليس ذكر للأولين، وأن ليس ذكر للذين سيكونون، فالكل ينسى ويطوى في تيه النسيان. . .!

الكل باطل، والمحاولة عبث، فالأعوج لا يقوَّم، والنقص لا يُجبر. والحكمة عبث كذلك، فهي مصدر الغم، والذي يزيد علماً، يزيد حزناً

لا شيء إذن يستحق النظر. لا شيء يستحق المحاولة. وما على المرء إلا أن ينتظر في سأم وملل وضيق، حتى تنتهي هذه الأيام المكتوبة عليه، ثم يجرفه التيار فيمضي كأن لم

<<  <  ج:
ص:  >  >>