بالسجع كان مستجلباً لتجنيس الكلام دون تصحيح المعنى)
فهذان وجهان للكلام لا بد أن يكون واحد منهما هو ما كتب الباقلاني في كتابه، إذ لا يتضح معناه بغير ذلك. لكن صاحب الكتاب لم يفطن إلى ما في الكلام الذي نقله من تداخل، ولم يحاول أن يناقش حجة الباقلاني التي استغلقت عليه بذلك التداخل، وقصر تلخيصه للفكرة على المعنى المتضح من كلام الباقلاني الذي نقلناه أولا، موهماً أنه قد لخص المعنى في الكلام كله؛ فدل بذلك على تقصيره في فحص الكلام وتقليبه؛ أو على قصوره في الفهم والتفكير
والآن ننتقل إلى مثل ثالث يتعلق لا بسجع القرآن، ولكن بالسجع في القرن الثالث
ذلك أن صاحب الكتاب نقل في صفحة ٨٤ من الجزء الأول من كتابه نصاً من الجزء الأول من كتاب ضحى الإسلام هو:(ونحن نعلم أن هذا العصر - عصر الجاحظ - لم يتكلف فيه سجع، ولم تؤلف فيه كتب مسجوعة كلها؛ وإن تكلف فيه سجع ففقرة أو فقرتان. فأما كتاب كله سجع فهذا ما لا نعرفه في هذا العصر)
وواضح أن الإنكار الذي في هذا النص منصب في صميمه على أن يكون في عصر الجاحظ كتاب كله سجع، لكن صاحب النثر الفني غفل عن هذا أو تغافل عنه في المناسبات الثلاث التي أشار فيها إلى رأي الأستاذ أحمد أمين
ففي المناسبة الأولى وهي التي دعته إلى ذكر ذلك النص لتخطئته استشهد على إمكان وجود كتاب مسجوع لرجل من كتاب القرن الثالث بحرص (ابن داود على وضع عناوين الفصول مسجوعة في كتاب الزهرة) وواضح أن القرن الثالث يمتد بعد عصر الجاحظ بنحو نصف قرن، فلو وجد فيه كتاب مسجوع لما استلزم أن يكون حتماً في عصر الجاحظ. كذلك من الواضح أن عناوين فصول كتاب ليست هي نفس الكتاب، فوجود العناوين كلها مسجوعة ليس معناه أن الكتاب نفسه مسجوع كله. لكن ذلك هو مبلغ فهم صاحب النثر الفني للنص الذي أورده لصاحب ضحى الإسلام ومبلغ تفنيده إياه
وفي المناسبة الثانية يشير صاحب الكتاب إلى رأي الأستاذ أحمد أمين بقوله من صفحة ٨٦: (لا ينبغي أن نستبعد - كما استبعد الأستاذ أحمد أمين - أن توجد مؤلفات مسجوعة في القرن الثالث؛ فان عصرنا الحاضر ينكر السجع على المؤلفين أشد الإنكار ويراه ضرباً