من التكلف الممقوت، ومع هذا وجدت في عصرنا مؤلفات مسجوعة، مثل:(صهاريج اللؤلؤ) و (حديث عيسى بن هشام) وأبواب من (ليالي سطيح). وقد وقع صاحب هذا الكلام في نفس الخطأ الذي وقع فيه آنفاً، إذ جعل القرن الثالث هو وعصر الجاحظ سواء، ونسب بذلك إلى أحمد أمين قولاً لم يقله في النص الذي رواه له، وإن كان أكبر الظن أن القرن الثالث لم يشهد بالفعل كتاباً مسجوعاً كله، إن لم يكن هناك على عكس ذلك إلا أدلة صاحب الكتاب. ألا ترى أنه لا يفرق بين عصرنا هذا الذي يستنكر فيه التزام السجع والعصر الذي عاش فيه البكري والمويلحي؟ أفكان السجع يستنكر التزامه قبل نصف قرن حين كتب ذانك ابان، كما يستنكر ذلك الآن حتى يجعل صاحب النثر الفني السطرين واحداً، ويستدل بوجود الكتابين على وجود الضدين في هذا العصر؟ أم كان التزام السجع مستحسناً كل الاستحسان حين كتب ذانك الكتابان فلا يكون لصاحب النثر الفني فيهما إذن دليل أو برهان؟
ويقول صاحب الكتاب في مناسبة ثالثة في صفحة ٩٦:(والقرن الثالث يسميه صديقنا الأستاذ أحمد أمين (عصر الجاحظ) وينفي عنه السجع، مع أن الجاحظ يسجع ولا يخرج من السجع إلا إلى الازدواج). أقرأت هذا ووعيته، وأدركت الفرق بين ما ينسبه صاحب النثر الفني إلى صاحب ضحى الإسلام هنا، وبين النص الذي يرويه له هناك؟ صديقه الأستاذ أحمد أمين يسمي القرن الثالث عصر الجاحظ، وصديقه الأستاذ أحمد أمين ينفي عن القرن الثالث السجع! وهكذا يصح في فهم صاحب الكتاب أن يمتد عصر الجاحظ إلى سنة ٣٠٠هـ، لأن الجاحظ مات سنة ٢٥٥هـ.، وأن ينفي مؤرخ السجع عن القرن الثالث لأنه نفى وجود كتاب كله سجع في ذلك القرن، أو في النصف الأول من ذلك القرن!
فقد رأيت الآن ثلاثة أوجه لفهم دكتورنا البحاثة لنص واحد لمؤلف معاصر، ورأيت كيف يحوره ويدوره حتى صيره إلى ما رأيت وما ترى. والأمر إليك الآن في تسمية هذا النوع من التفكير بحثاً أو تسميته عبثاً، وفي تسمية هذه النوع من التصوير تصريفاً أو تحريفاً، ومن النقل مسخاً أو نسخاً، ثم في تسميته هذا كله عجزاً عن الفهم أو اقتداراً عليه، وصلاحاً في الطريقة أو فساداً؛ فإن الأمر جل عن التلاحي، أو قل كما تشاء أن تقول