فهل افترينا على الرصافي في ذلك من شيء يا دكتور زكي؟ وهل تتفق وجهة نظرك في هذه المسألة بالذات ووجهة نظر هذا الرجل الذي رمانا بما رمانا به من تلفيق وتشويه لأقواله؟
أنت عندي أشجع كاتب في مصر. بل في الشرق العربي، وقد تبلغ شجاعتك هذا الحد الذي ذكره آرسطو في كتابه عن الأخلاق، ولا أذكر الآن ماذا سماه. . . ولن أنسى لك أبداً أنك كنت صاحب الفضل الأول في التعريف بالغزالي بمؤلفك القيم في أخلاقه، ذلك المؤلف الذي خضت به جحيم حرية الفكر غير هياب ولا وجل، وأنك كنت في كل كتبك بعد الغزالي شجاعاً كدأبك منذ أخذت نفسك بالتأليف والتصنيف، بالرغم مما في تأليفك وتصنيفك من تلك (البُقع) التي استطاع هذا الكاتب الفاضل أن يغزوهما من ناحيتها
فهل يكفيك هذا الحد في تذكيرك بشجاعتك الأدبية، فتعلن رأيك صريحاً خالصاً فيما ذهب إليه الرصافي من نسبة القرآن إلى محمد، معتذراً له بذلك الاعتذار السخيف!!
أعوذ بالله - وأستغفره - من أن يكون كلامي هذا استدراجا لك أن تقول ما لا تعتقد. . . فأنت عندي أعظم من هذا وأعلى. . . وأعوذ بالله وأستغفره من أن أكون قد قصدت بثنائي عليك (بَلْفَك!) حتى تقف في هذا الصراع الفكري إلى جانبي. . . فأنا أعظم من هذا وأعلى (ولا مؤاخذة!)
أما يأسك من حرية الرأي، لأن كل كاتب يحاول أن يكون واعظاً في مسجد، أو راعياً في كنيسة، كأن الفكر الحر من القيود لم يبق له مكان في الوجود. . . فهو كلام لا نقبله من زكي مبارك في هذا المجال. . . لأن الأستاذ الغمراوي قال في كتابك العظيم الخالد - النثر الفني - ما قال، ووجه إليك بسببه ما وجه من تهم مثيرة موبقة. ومع ذلك، فأنت لا تزال بخير يا صديقي. . . تمشي في مصر الجديدة حراً مطلقاً، كما تمشي حراً مطلقاً في أحياء الأزهر وسيدنا الحسين والصنادقية وجاردن ستي، لم يجر وراءك المسلمون ليحاسبوك بالطوب والحجارة على ما اتهمك به مناظرك الفاضل، ولم يأخذ بتلابيبك الأزهريون لآرائك في إعجاز القرآن، ولم يُحدث المسلمون في مصر ضجة ليضطروا البرلمان إلى مطالبة الحكومة بجمع كتابك وإحراقه في ميدان الأوبرا أو ميدان السيدة زينب مثلاً!