فخلِّ إذن قضية حرية الفكر التي عملت لها ألف حساب في كلمتي الأولى عن رسائل التعليقات، حيث أذكر أنني قلت:(. . . وقبل أن نعرض آراء الرصافي نعلن أننا نقدس حرية الفكر ما لم ترم إلى شر، وما لم تبلبل أفكارنا، وتعصف بمعتقداتنا، وتهدم المعايير الأخلاقية الكريمة التي زودنا بها ديننا الذي هو أعز علينا وأكرم من فلاسفة العالم أجمعين). . . والتي أذكر أنني قلت بصدد مصادرة حكومة العراق الشقيق لكتاب الرصافي القديم إن أسلوب مصادرة الكتب أسلوب رث، وسلاح لا يجمل استعماله في هذا العصر الذي يأخذ بمبدأ حرية الفكر. . .
ولست أدري ماذا يراد من حرية الفكر أن تكون بعد الذي كانته في أيامنا هذه من سعة صدر وفسحة مجال؟! أكان ينبغي أن نصمت فلا نكتب كلمة عن كتاب ينكر فيه صاحبه كل الموجودات - إلا الوجود الكلي المطلق الذي يسميه إلهه -؟ أكان ينبغي أن نصمت حينما يقول لنا الرصافي في كتاب ينشره في العالم العربي الإسلامي، وإن محمداً هو مبتدع نظرية وحدة الوجود، وأنه مؤلف القرآن، وأن الأدعية لا داعي لها - ومن الأدعية الصلاة - لأنها لن تغير من القضاء - وهو القوانين الأزلية التي لا تتغير، شيئاً، وأن كل ما يقع في الوجود فهو حق، وأن الباطل هو المحال، ولذلك تساوت المتضادات. فالهدى كالضلال، والتقوى كالفسوق، والخير كالشر. . إلى آخر هذا الهذر الذي يدعى الرصافي أنه تساو أمام الله لا أمام الناس. يريد بذلك استدراك ما أخافك - يا صديقي الدكتور زكي مبارك - من مغبّة ذلك المعتقد على الشرائع والقوانين والأخلاق. ويريد أن يطمئنك، فلا يهلع قلبك، ولا تجزع نفسك. فيقدم بين يديك هذا الدفع المتهافت الذي لا أدري كيف استقام في رأس الأستاذ الرصافي حتى يطلب له أن يستقيم في رؤوس الناس
ما استواء المتضادات أمام الله؟! أموافق أنت على هذا الهوس يا صديقي الأعز؟! أحقاً أن الذي يصيبنا من شر هو من عند الله وليس من عند أنفسنا؟ ما هذا الجبر المطلق يا دكتور زكي؟ والى أين يؤدي بنا هذا المعتقد الباطل لو أخذنا به؟! ثم ما هذا الحلول الفاسد الذي يجعل الله في كل شيء. . . بل كل شيء؟!
ثم يعود الرجل بعد هذا فيثبت أن الإنسان مكلف، لأنه عاقل؟! ثم يربط التكليف بثواب وعقاب، ليسا من جنس الثواب والعقاب اللذين جاءنا بهما ديننا الحنيف. . . ولست أدري