أين يكون مناط التكليف مع هذا الجبر المطلق؟! وعقاب الإنسان في رأي الرصافي هو ما يلقاه من تبكيت أمام ضميره. . . أما النار ودركاتها فتخويف فحسب، وردت آياته من باب التمثيل. . وأما الثواب في رأيه، فهو الاتحاد بالوجود الكلي بعد الموت. أي العودة إلى التراب. . . هنا تتم سعادة المرء! وما جاءت آيات الترغيب في جنة الخلد الموصوفة في القرآن إلا من باب التمثيل كذلك. . .
فما شاء الله على هذا الثواب وذاك العقاب! وليهنأ بعد اليوم الذين لا ضمائر لهم فتعاقبهم بالتبكيت على ما يقرفون من أوزار
وما شاء الله على هذا الكفر بالبعث الذي هو أساس متين من أسس العقيدة الإسلامية، ثم ما شاء الله على هذا التناسخ - أو عودة الكائنات بأمثالها لا بأعيانها - الذي يؤمن به الأستاذ الرصافي!
ماذا أبقى الرصافي من الإسلام فلم يبدله ولم يؤوله؟!
لقد تناوله الله - جل وعلا - فقال: إنه هذا العالم الحادث الذي درسناه في الفلك فعرفنا أنه نشأ من هيولي أخضعها الله لقوانينه الخالدة التي انتهت بها إلى هذا النظام المتقن البديع الذي لا يمسكه غير الله بما أبدع له من قوانين!
وقد تناول الرسول فجعله يؤلف القرآن ويموّه على الناس ويخترع وحدة الوجود ويخفى أمرها على الناس، ويدعوهم إلى عبادة كل الموجودات، وقد نهاهم عن عبادة الشمس والقمر والنجوم والأصنام والأشجار!
وتناول المعتقدات الإسلامية فأنكر البعث والحساب والعقاب والثواب والجنة والنار والميزان والصراط وجميع السمعيات لأنها من أنباء الغيب، والعقل لا يؤمن بأنباء الغيب
وتناول العبادات الإسلامية فأنكر الأدعية - ومنها الصلاة - لأنها لا تقدم ولا تؤخر في قضاء الله الذي لا يتبدل ولا يصح له أن يتبدل. فهو كالذين قالوا: يد الله مغلولة! غلت أيديهم!
ونعى على المسلمين في تعليقه على أقوال مستشرقه الإيطالي الجاهل - في آخر الكتاب الذي بيدك - تمسكهم بحرفية القرآن والتعاليم الإسلامية، ونسب تأخرهم وانحطاطهم إلى ذلك التمسك