للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الهنجارية النحلة

تحققت إذن كل رغبات رومانيا الصغيرة بعد الحرب العظمى، وأصبحت بعد ذلك (رومانيا الكبرى) وجلست على عرشها إحدى الملكات التي يسجل لهن التاريخ أجل المواقف. فقد كان لنفوذ الملكة ماري ابنة دوق ادنبرة ابن الملكة فكتوريا العظيمة أشرف الأثر لا على الفرع الكاثوليكي لأسرة هوهنزلرن - سيجمارينجن وحسب، بل على الشعب الروماني أجمع. فقد أخذ ينطبع بالطابع الديمقراطي الذي كانت تتحلى به تلك الملكة الإنجليزية العظيمة، وبدأت تدب في مرافقها روح المدنية الغربية. فأخذت ترفل رومانيا في مطارف السعادة والرخاء. مملكة هذه حالها، ما الذي حدا بها إلى أن تصنع اليوم ضد ما كانت تقبله بالأمس.

عاشت (رومانيا الكبرى) العشرين سنة الأخيرة عيش الفأر الذي لبس جلد الهر ظناً منه بأن في لبس الجلد السلامة والنجاة. وكان الرومانيون يعلمون على بكرة أبيهم علم اليقين بأن الهر الجرماني إنما يتحفز لأنشاب أظفاره فيهم كي يسلخ منهم ترانسيلفانيا وبوكوفينا كما يتحفز لهم الهر الروسي كي يسلخ بسارابيا والهر البلغاري كي يسلخ الدوبروجا. ماذا يصنعون إذن؟ إذا طلبوا معاونة الحلفاء، تلقوا إجابة أفلاطونية لا تقترن بأساطيل ولا تعزز بجيوش. وإذا طلبوا معاونة الروس، فلا أقل من أن تطغى على الأراضي الرومانية أنظمة روسيا الاجتماعية وهو ما لم تكن رومانيا ولا الديمقراطيات لتقبله بأي حال. موقف مربك بلا ريب

لا مناص إذن من إلقاء نفسها في أحضان الهر الجرماني، ولو على غير رغبة منها (فلنحالف الألمان عسى أن يكافئونا على حلفنا) ذلك هو ما كان يدور في خلد الرومانيين، ولكن ما هي تلك المكافأة التي كانت تنتظرها رومانيا؟ إذن فاستمع: وعدت ألمانيا النازية بحل المشكلات المعلقة بين رومانيا وجاراتها بما يرضى الضمير الجرماني بشرط دخول رومانيا الحرب في صفها ضد حلفائها بالأمس فتضع بذلك مناطق الزيت والحبوب تحت تصرف الألمان!

تمخض الوعد عن اجتماع في فينا بين هتلر وساسة رومانيا وهنجاريا، وكانت النتيجة أن نُزعَت ترانسلفانيا من التاج الروماني وقُدِّمت قرباناً إلى نسور هنجاريا! تلك مأساة الثقة

<<  <  ج:
ص:  >  >>