وهذا كله من ناحية الشكل. فأما من ناحية المذهب والطريقة، فالحيرة كذلك واقعة
رجل كالمويلحي قصاص واقعي بالمعنى الضيق للواقعية. وهو مع ذلك قد استطاع أن يرسم عدة شخصيات إنسانية للعصر الذي كتب فيه القصة؛ وأن يصور البيئة التي عاشت فيها هذه الشخصيات المحلية: الباشا، والعمدة، والمحامي، والنائب، والمشايخ، وغيرهم من الشخصيات التي رسمها في حديث عيسى ابن هشام. وهم آدميون لا تشك في آدميتهم، وواقعيون - بالمعنى الضيق - لا ترتاب في واقعيتهم؛ مع شيء من السخرية والدعابة، تحسبان لهذا القصاص في عالم الفنون
ورجل كتوفيق الحكيم، قد تقرر مذهبه - إلى اليوم على الأقل - فهو في التمثيلية (الفنان) الخالق الذي يبدع شخوصه من (ذهنه) ليؤدوا له فكرة فلسفية خاصة. وهم - على هذا الوضع - أشخاص صحاح منطقيون مع طبيعتهم، مستقيمون من أول التمثيلية إلى آخرها مع الفكرة التي خلقوا ليؤدوها. كما في أهل الكهف، وشهرزاد، وبيجماليون، وسليمان الحكيم. أما في القصة فهو ينحرف عن هذا المذهب إلى شيء من (الواقعية) الممزوجة بالشاعرية، حتى لتقرب من الرومانتيكية في بعض الأحيان. كما في عودة الروح، وعصفور من الشرق، ويوميات نائب في الأرياف، وزهرة العمر - وإن ظلت هذه الواقعية موسومة بميسم (الفكر) لأن هذه هي السمة الغالبة على طبيعته - ولكن قصصه ورواياته تستمد دائماً من (التنسيق الفني) والإشعاع الشاعري، ما تعوض به الحياة الحقيقية. وما يتيح لها أن تنشئ مدرسة معروفة السمات
ورجل كالمازني يمثل (الأديب) الذي يفيض على شخوص قصصه حركة حية سريعة، في حماسة شاعرية قوية، كما في إبراهيم الكاتب وإبراهيم الثاني قصتيه الأساسيتين، أو يفيض عليها الحركة في دعابة ساخرة كما في القصص القصيرة
ومهما قيل من تأثر المازني لبعض كتاب القصة الغربيين، واقتباسه من طرائقهم وموضوعاتهم كذلك. فالذي يبقى له بعد هذا كله ليس بالقليل. إنه يتأثر ويقتبس في اتجاه واحد، وبطريقة واحدة، يبدو فيها طابع خاص، هو دليل الشخصية الفنية. . .
وقد لا يكون المازني خالقاً ولا مبتدعاً لموضوعاته وطرائقه، ولكن هذا لا ينفي أن له طابعه الشخصي في كل ما يكتبه. هذا الطابع هو الحركة السريعة، والانتباه إلى دقائق