للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

العلماء المفكرين، وروعة أسلوب الكتاب الإنشائيين حتى كأني به قد أتخذ أسلوبه سلاحاً ليفحم به خصومه وليجذب به سامعيه. والمؤيد في الوقت نفسه كان أستاذاً من أساتذة (التأويل) وأساس التأويل يعتمد على قوة الملاحظة وخصوبة الخيال، وعلى قدرة خاصة على التغلغل في الموجودات ليتخذها المؤول دليلاً على أسرار الدين فكان لهذه الناحية أثرها في فن المؤيد إذا اتجهت به في شعره اتجاهاً خاصاً لا نكاد نجده عند أي شاعر آخر من شعراء العربية إلا عند أبي العلاء المعري، فأبو العلاء والمؤيد هما الشاعران اللذان استطاعا أن يصفا في شعرهما اختلاف العقائد الدينية، وأن يتحدثا عن الآراء الفلسفية وعن الحياة والموت وعن دقائق الكائنات العلوية والسفلية

انظر إلى المؤيد مثلاً وهو يتحدث في إحدى أراجيزه عن خلاف الناس في موضوع (الرؤية):

ونقضوا قواعد الشريعة ... كل له مقالة شنيعه

من مثبت لرؤية الرحمن ... مستشهد بآية القرآن

ومنكر قد جاء ينفي تلكا ... ودونها الشرك يرى والكفرا

وقال في نفس الموضوع في أرجوزة أخرى:

فقائل قال تراه العين ... وهو لعمري وصمة وشين

من أجل أن رؤية الأبصار ... مختصة بالحسم ذي الأقطار

وقائل قد قال لما دققا ... جداً وفي أفكاره تعمقا

ما ذاك إلا قول ذي تضليل ... نراه لكن رؤية العقول

أمعن حتى ما أتى بشيء ... ولم يبق رشداً من غي

فالعقل للمرء أداة كالبصر ... ذا باطن فيه وهذا قد ظهر

فإن جعلت نحوه سبيلاً ... للعقل لم تجاوز التمثيلا

كلاهما يدرك بالمجانسة ... مقالة صحت بلا ممارسه

وليس من جنس العقول الله ... يا قوم كي تدركه حاشاه

كما تعالى أن يكون كالصور ... مجسماً كيما يلاقيه البصر

فالفرقتان اجتمعا مشبهه ... خباطتا عشواء جهل وعمه

<<  <  ج:
ص:  >  >>