شديد التظرف وذلك بين في شعره، وكان حلواً مقبولاً غزير الفكر واسع الكلام)
وهاهو ذا يستأذن أحبابه بالزيارة فيقول:
أتأذنون لصبّ في زيارتكم ... فعندكم شهوات السمع والبصر
لا يضمر السوء إن طال الجلوس به ... عفّ الضمير ولكن فاسق النظر
ويسترسل العباس في ظرفه بعد أن يشيع حبه وشغفه بفوز، وقد مرت به (سائلة) فقال:
ألم تر أن سائلة أتتني ... فقالت وهي في طلس بوالي
ألا صدق عليَّ بحق (فوز) ... فقلت لها خذي روحي ومالي
وتكتب إليه (فتاة) أن يصلها فيقول:
فقلت لها إليك هواك عني ... فأني عن هواك لذو انشغال
ومالي توبة إن خنت فوزا ... ولم تكن الخيانة من خصالي
إذا ذكر النساء بكل حال ... فهنّ لها الفدا في كل حال
وكان بينه وبينها مواعيد ورسائل ولقاء، وقد كانت تحدث بينهما بغضاء أحب إلى النفس من الصفاء، وقد شرح كل ذلك في شعره، فديوانه مرآة تنعكس عليها نفسيته الرفيعة، وأحاسيسه المرهفة فيما يقع بينهما من حوادث ومغامرات، فهو شاعر محزون في حالتي الرضا والجفاء. فلنستمع إلى قوله:
أبكي إذا سخطت حتى إذا رضيت ... بكيت عند الرضا خوفاً من الغضب
أنوب من سخطها خوفا إذا سخطت ... فإن سخطتُ تمادت ثم لم تتب
وهو الذي يقول:
سأهجر إلفي وهجراننا ... إذا ما التقينا صدود الخدود
كلانا محبّ ولكننا ... ندافع عن حبنا بالصدود
وابن الأحنف كلف بتسجيل حوادثه في شعره، وإني لأحسب ديوان شعره خير تاريخ له يستمد منه الباحث حياته التي كان يحياها، فمن ذلك ما كان يعترض حبه من مقاومة أهله وأهل (فوز) وفي ذلك يقول:
إلى الله أشكو أن فوزا بخيلة ... تعذبني بالوعد منها وبالمطل
وأني أرى أهلي جميعاً وأهلها ... يسرُّهم لو بأن حبلك من حبلي