قلت هذا كله في عشرات المقالات، واليوم أتلفت فأجد بين يدي القصة والملحمة، كلتاهما في عمل فني واحد. في (كفاح طيبة). فهي قصة بنسقها وحوادثها، وهي ملحمة - وإن لم تكن شعراً ولا أسطورة! - بما تفيضه من وجدانات ومشاعر، لا يفيضها في الشعر إلا الملحمة!
هي قصة استقلال مصر بعد استعمار الرعاة على يد (أحمس) العظيم. قصة الوطنية المصرية في حقيقتها بلا تزيد ولا ادعاء، وبلا برقشة أو تصنع. قصة النفس المصرية الصميمة في كل خطرة وكل حركة وكل انفعال.
أغار الرعاة (الهكسوس) على مصر من الشمال الشرقي وغلبوا عليها بسبب اختراع (العجلات الحربية) التي لم تكن مصر قد أخذت بها في جيشها، وحكموا مصر السفلى ومصر الوسطى. أما مصر العليا وعاصمتها طيبة، فقد ظل حكامها من الأسرة الفرعونية المصرية، يدارون الرعاة ويقدمون إليهم الهدايا احتفاظاً باستقلالهم الداخلي إلى أن يستطيعوا الاستعداد السري لطرد الغزاة.
ثم تبدأ القصة عند (سيكننرع) حاكم طيبة ووريث العرش الشرعي. فلقد لبث يهيئ الجيوش سراً، ويستكثر من العجلات الحربية حتى بلغ جيشه عشرين ألفاً وعجلاته مائتين؛ ووضع على رأسه التاج، ولم يكن يعد نفسه حاكم طيبة بل ملك الجنوب
ويجيئه رسول (أبو فيس) ملك الرعاة الذي يلقب نفسه (فرعون مصر) ويضع على رأسه التاج المزدوج؛ يجيئه ليتحداه فيطلب إليه خلع التاج، فما هو إلا حاكم، وبناء معبد لست إله الشر بجوار معبد أمون في طيبة، وقتل أفراس النهر المقدسة بها. فيأبى الملك أن يدوس الدين والشرف ليقنع بالسلامة. وأنه ليعلم مدى قوة خصمه ويعلم إنه لم يستكمل بعد استعداده. ولكنه يرفض يؤيده الجميع: أمه توتشيري (الأم المقدسة) التي ترعى الجميع، وتشرف بروحها العظيم على كل عدة الجهاد؛ وابنه، وقائده، ورئيس كهنة أمون، ومستشاره أجمعين.
وتقع الحرب، ويقتل الملك البطل، وتستباح طيبة للعدو العنيف؛ فتصعد الأسرة المالكة في النيل إلى (بلاد النوبة) بتدبير قائد الملك القتيل، لتعد العدة هناك للعودة حينما يشاء الإله!
وبعد عشرة أعوام في الاستعداد وبناء العجلات الحربية، يهبط (أحمس) حفيد الملك