قلبي وأحمس المتخفي في زي التجار، يلقى الملك، ويصارع القائد، وينتفض للعزة الجريحة، ويمسك نفسه في جهد شديد. لشد ما عطفت عليه وهو يقع في صراع أشد وأعنف من كل صراع حربي، ويجاهد نفسه بين قلبه وواجبه، فيؤدي الواجب على حساب قلبه الجريح
ولم يكن الشعور القومي وحده هو الذي يصل نبضاتي بنبضات أبطال القصة. بل كان الطابع الإنساني الذي يطبعها، والتنسيق الفني الذي يشيع فيها، هما كذلك من بواعث إحساسي بصحة ما يجري في القصة، وكأنه يجري في الواقع المشهود، بكل ما في الواقع من عقد فنية، وعقد نفسية، ينسقها المؤلف في مواضعها بريشة متمكنة، ويد ثابتة، تبدو عليها المرانة، والثقة بمواقع التصوير والتلوين
ولا أحب أن يفهم أحد من هذا أن مؤلف (كفاح طيبة) قد بلغ القمة الفنية. فهذا شيء آخر لم يتهيأ بعد. إنما أنا أنظر إلى المسألة من ناحية خاصة. ناحية تحقيق هدف قومي جدير بعشرات القصص والملاحم. فإذا استطاع فنان أن يحقق هذا الهدف، دون المساس بالطابع الإنساني والطابع الفني، وبلا تزوير في المواقف والعواطف، أو تزوير في وقائع التاريخ، فذلك توفيق يشاد به بكل تأكيد. وفي هذه الحدود أحب أن يعني هذا المقال
وبهذه المناسبة أشير إلى بعض الأخطاء اليسيرة مثل قول الملك (سكيننرع): (لم تكن العجلات من آلات الحرب لدى الرعاة. فكيف يكون لجيشهم أضعاف ما لجيشنا منها؟) فالثابت تاريخيا أن (عجلات الحرب) كانت سلاح الرعاة الجديد الذي هاجموا به مصر، فتغلبوا به على شجاعة المصريين، حتى أخذه المصريون عنهم فانتصروا به وبذوهم فيه
ومثل أن يقول عن اسم (أحمس) إنه مشتق من الحماسة. فأحمس اسم مصري قديم لا علاقة له بمعناه في اللغة العربية، ولعله وجد قبل أن يكون لهذه اللغة وجود معروف!
ومثل أن يقول أحمس:(انه آت من بلاد النوبة) فهذا اسم حديث كذلك. وقد كانت في ذلك الحين تسمى بلاد (بُنت) أي الذهب. . .
ومثل أن يقدر مدة حكم الرعاة بمائتي عام. والراجح أنها تصل إلى حوالي خمسمائة عام
وبعض هنات كهذه وتلك. ولكن ماذا؟ إن الفنان ليستطيع أن يخطئ مائة مرة مثل هذا الخطأ، دون أن يؤثر ذلك في عمله الفني الأصيل