لاستهداف المبسط في أغلب الحال لأحد أمرين: الغموض أو الثرثرة. ومن هنا ترى أن كتب التبسيط العلمية الجيدة لا يكتبها عادة في أوربا غير كبار العلماء الذين هضموا المادة حتى أصبح حديثهم عنها أشبه ما يكون بذكريات حياتهم الخاصة
وأيا يكون الأمر فهذان النوعان من الأمية باستطاعة حكومة حازمة أن تكافحهما أنجح الكفاح، ولكن ثمة النوع الثالث وهو أمية المتعلمين فذلك ما يحير اللب، حتى لأحسب أن تلك الأمية من أدوائنا العميقة التي اجتمعت لتأصيلها أسباب عاتية لا ندري كيف السبيل إلى علاجها
ولأمية المتعلمين ثلاثة مظاهر: الانتهاء من التعليم الدراسي بفائدة ضئيلة، وعدم تنمية كل صاحب فن لمعلوماته الفنية بعد التخرج، وأخيرا ضعف الثقافة العامة عند معظم المتعلمين، بل وإهمالها أحيانا إهمالاً تاماً
الخروج من التعليم بفائدة ضئيلة له ما يشابهه في حياتنا العضوية؛ فنحن جميعا لا نتمثل من الغذاء كل ما فيه من عناصر القوة، حتى لترى من الناس الضعيف برغم ما في شهيته من نهم، ومنهم القوي على ما به من اقتصاد في الغذاء. والقدرة على تمثل المعرفة للطبع فيها دخل كبير، ولكنه ليس كل شيء؛ فمناهج الدراسة وقدرة الأساتذة تفعل في ذلك الأعاجيب. وليس من شك في أن الثمرة الحقيقية لكل تعليم صحيح هي ما يخلف في النفس من رواسب تمتزج بملكاتنا، حتى تصبح جزءا منها، وأما المعلومات التي نحملها كودائع نسلمها لأوراق الامتحانات إسلاماً لا رجعة فيه؛ فذلك ما لا يمكن أن يسدد إدراكا أو يهذب ذوقا أو يرهف إحساسا. والمتعلم لن يصل إلى ما يجب من تمثل المعرفة إلا إذا أوتي من الخيال ما يستطيع معه أن يتصور في كل حين مواقف الحياة التي من الممكن أن يستخدم فيها كل نوع من المعرفة التي يتلقاها، وبفضل هذا الخيال يمد الصلات بين العلم والحياة. ونحن لا نملك هذه القدرة على نسبة سواء في مراحل حياتنا المختلفة، ولا أدل على ذلك من أن تعود بعد أن يستوي إدراكنا إلى أبسط كتب الدراسة نقرأها من جديد فنجد أننا كنا واهمين عندما اعتقدنا ونحن صغار أننا قد انتزعنا كل ما بها وفهمناه على وجهه. بل أن الكتب التي نقرأها مرة واحدة ونحن كبار نستطيع أن نعود إليها أو إلى الجيد منها فنعثر فيها دائما على جديد لم نفطن إليه أو غامض لم نحسن فهمه، وكل ذلك فضلا عما نستوحيه