وكما يشير إليه الدكتور طه حسين في (ذكرى أبي العلاء). . . ولكن أحداً لا يحدثنا عن علة اتصال المعري بأخواله هذا الاتصال الحبيب العجيب، ثم انصرافه عن أخوته وعمومته. . . وليس معقولاً أن تكون المحبة الطبيعية بين بني البطون وحدها سبب ذلك، وما يكون من عداوة بين بني الظهور. . لن يكون هذا سببا كافيا ولا معقولا أبداً. . . إن والد أبي العلاء لم يترك له ثروة تذكر. . . وكان كل دخله ثلاثين ديناراً يغلها له أحد الأوقاف من أسرته لأبيه، كان يدفع منها نصفها لقارئه كل عام. فأين كان أخواه؟! وأين كان هذا الثبت الطويل من أسماء القضاة والعلماء والفقها الذين أحصى ياقوت منهم طرفا ولم يحص أطرافا؟! هنا يصمت التاريخ. . . ولابد أن يكون لصمته سر فظيع في نشأة أبي العلاء الأولى، ولابد أن يكون لهذا السر أثره الفظيع كذلك في ثورة أبي العلاء وتبرمه بالدنيا وتجهمه للحياة وضيقه بالناس، وتسفيهه لمعتقداتهم التي لم ينتفع بها أهله من أبيه في علاقاتهم بهذا الفتى الأعمى المحروم من العون، المتقلب في البلاد، الضارب بين قرى الشام، المعجب بأساتذته من رهبان ذلك الدير باللاذقية يدرس عليهم الإنجيل والتوراة، والفلسفة، كما درس على أبيه الرؤوف الرحيم البار القرآن واللغة والتفسير والفقه والعروض، وكما درس طرفا لا يعتد به من الحديث على هذا الرجل المدعو يحيى بن مسعر الذي لم يستطع أن يشعر قلب أبي العلاء حلاوة الإيمان، فأسلمه بجهله إلى الشك والحيرة