ثم أخوه قاض عالم، وفقيه شاعر، ولي القضاء بعد أبيه، واسمه أبو المجد، وكان أكبر من أبي العلاء سنا، وقد أثبت لنا الحموي نموذجا رائعا من شعره في الزهد، يبين لنا إحدى وشائج النسب في الأدب بين الأخوين الشقيقين، إذ يقول:
كرم المهيمن منتهى أملي ... لا نيتي أجر ولا عملي
يا مفضلا جلت فواضله ... عن بُغيتي حتى انقضى أجلي
كم قد أفضت علي من نعم ... كم قد سترت علي من زلل
إن لم يكن لي ما ألوذ به ... يوم الحساب فإن عفوك لي
فهذا شعر جيد نجد له أصداء كثيرة في اللزوميات، ولا عجب أن يكون للأخ الأديب أثر في أخيه الأديب. ولأبي العلاء أخ شقيق آخر، كان يكثر من أشعار الغزل، اسمه أبو الهيثم، ومن شعره في الشمعة:
وذات لون كلوني في تغيره ... وأدمع كدموعي في تحدرها
سهرت ليلي وبانت لي مسهرة ... كأن ناظرها في قلب مسهرها
ثم يعد لنا ياقوت أسماء كثيرة لامعة من أسرة أبي العلاء كانت تشتهر بالفقه والعلم والأدب والشعر. . . لكنه يحصيها كلها من أسرة أبيه، ولا يذكر لنا اسما واحدا من أسرة والدته، فيستدرك ذلك الميمني في كتابه (أبو العلاء وما إليه) فيسرد لنا أسماء كثيرين من أخوال أبي العلاء الذين مدحهم وذكر أياديهم عليه في كثير من شعره الوارد في ديوانه (سقط الزند) مما يدل على حفظه لجميلهم وشكرانه لهم بعد وفاة أبيه وهو في الرابعة عشرة من عمره. . . ويصيب التاريخ خرس شديد في هذه المرحلة الحزينة من مراحل سني أبي العلاء، فهو لم يحدثنا بشيء عن صلة أبي العلاء بأخوته أو عمومته أو بني عمومته بعد تلك الكارثة التي كانت أشد وبالا عليه من العمى الذي أصابه في الرابعة من عمره. . . وهو لم يذكر لنا إذا ما كان أحد من أخواته كان لا يزال حيا يرزق بعد وفاة هذا الوالد البار الذي كان يولي أبا العلاء من عطفه وبره وعلمه بما ينسيه فقدان بصره. . . أو ماذا كانت العلة في ترك أبي العلاء وشأنه ينفق عليه أخواله في رحلته إلى حلب، والى إنطاكية، والى اللاذقية وطرابلس، طلباً للعلم، واكتساباً للأدب، وتفقهاً في اللغة، على العلماء والأدباء وفي دور الكتب؟ حتى رحلته إلى بغداد كانت على نفقة أخواله، كما يحدثنا بذلك الميمني،