للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

محتوية على أنواع الآداب، مشتملة من علوم العرب على الخالص واللباب، لا يجد الطامح فيها سقطة، ولا يدرك الكاشح فيها غلطة، ولما كانت مختصة بهذه الأوصاف، مميزة على غيرها عند أهل الإنصاف، قصده جماعة لم يعوا وعيه، وحسدوه إذ لم ينالوا سعيه، فتتبعوا كتبه على وجه الانتقاد، ووجدوها خالية من الزيغ والفساد، فحين علموا سلامتها من العيب والشين، سلكوا فيها معه مسلك الكذب والمين، ورموه بالإلحاد والتعطيل، والعدول عن سواء السبيل، فمنهم من وضع على لسانه أقوال الملحدة، ومنهم من حمل كلامه على غير المعنى الذي قصد له، فجعلوا محاسنه عيوباً، وحسناته ذنوباً، وعقله حمقاً، وزهده فسقاً، ورشقوه بأليم السهام، وأخرجوه عن الدين والإسلام، وحرفوا كلمه عن مواضعه، وأوقعوه في غير مواقعه، ولو نظر الطاعن كلامه بعين الرضا، وأغمد سيف الحسد من عليه انتضا، لأوسع له صدراً وشرح، واستحسن ما ذم ومدح، لكن جرى الزمن على عاداته في مطالبته أهل الفضل بتراته، وقصدهم بإساءاته، فسلط عليهم أبناءه، وجعلهم أعداءه، فقصدوه بالطعن والإساءة. واللبيب مقصود، والأديب عن بلوغ الغرض مصدود، وكل ذي نعمة محسود، ومن سلك في الفصاحة مسلكه، وأدرك من أنواع العلوم ما أدركه، وقصد في كتبه الغريب وأودعها كل معنى غريب، كان للطاعن سبيل إلى عكس معانيها، وقلبها وتحريفها عن وجودها المقصودة وسبلها، ألا ترى إلى كتاب الله العزيز المحتوي على المنع والتجويز الذي لا يقبل التبديل في شيء من صحفه، ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كيف أحلى جماعة من أرباب باطل الأقاويل، تأويله على غير وجوه التأويل، فصرفوا تأويله إلى ما أرادوا، فما أحسنوا في ذلك ولا أجادوا، حتى أن جماعة من الكفار، وأرباب الزلل والعثار، تمسكوا منه بآيات، جعلوها دليلا على ما ذهبوا إليه من الضلالات، فما ظنك بكلام رجل من البشر، ليس بمعصوم إن زل أو عثر، وقد تعمق في فصيح الكلام، وأتى من اللغات بما لا يتيسر لغيره ولا يرام، وأودعها في كلامه أحسن إبداع، وأبرزها في النظم البديع والأسجاع، إذا قصده بعض الحساد، فحمل كلامه على غير المراد، وقد وضع أبو العلاء كتاباً وسمه (بزجر النابح) أبطل فيه طعن المزري عليه والقادح، وبين فيه عذره الصحيح، وإيمانه الصريح، ووجه كلامه الفصيح، ثم أتبع ذلك بكتاب وسمه (ببحر الزجر) بين فيه مواضع طعنوا بها عليه بيان الفجر، فلم يمنعهم زجره، ولا اتضح لهم عذره، بل

<<  <  ج:
ص:  >  >>