وهذا من الأدلة الكثيرة على أن الخصائص الفلكية التي تزعمها الأساطير الأوربية لأرباب الآداب والفنون من شعر ونثر وغناء وموسيقى قد كانت معروفة على هذه الصفة في الشرق العربي وفي الشرق كله قبل دولة الإسلام والعربية
والرأي الصائب هنا غير بعيد من دلالة الأساطير على هذا المعنى.
فإن الجامعة العربية لا يجمعها شئ كما تجمعها اللغة وآدابها ومنظومها ومنثورها وأفانين الفصاحة والتعبير فيها
فالجامعة العربية قبل كل شئ هي جامعة اللغة العربية واللسان العربي بما أفاض فيه من شعر ونثر وخطابة وبيان
وعطارد السماوي المكان هو صاحب هذه الجامعة دون غيره من كواكب السماء، وبخاصة تلك الزهرة اللعوب!
فلن تنفصم للأمم العربية جامعة ما دامت لها لغة واحدة وأدب مشترك في تلك اللغة. لأن هذا الأدب هو الميراث الذي يربطها بأسرة واحدة، ولا يقع النزاع عليه كما يقع النزاع كثيراً على ميراث المال والحطام، بل هو أبداً مجلبة الوفاق وموزع الحصص بمقدار ما يتناول منها المتناول في غير ضرار ولا شقاق
أما الوحدة العربية من وجهة السياسة فلها ضمان واحد يتقدم على كل ضمان، وهو حرية كل أمة عربية في الحكم وحرية كل أمة عربية في الاختيار، وحرية كل أمة عربية في معاملة الأمم الأخرى
فإذا قامت الوحدة على هذين الأساسين: أساس الأدب وأساس الاستقلال؛ فكل ما وراء ذلك فهو تفصيل يطويه الإجمال، وهو بأية حال مسألة رسوم وأشكال. ولا يبالي العربي في قطر من أقطار العروبة ماذا يكون الرسم، أو ماذا يكون الشكل إذا سلمت له اللغة وآدابها، وسلمت له الحرية وحقوقها
ولكل عربي أن يقول يومئذ في سائر العرب:(أبونا عند نسبتنا أبوهم) إذا كان عطارد هو رمز الأدب والفصاحة والبيان.