فأول ما يسترعي الانتباه من ذلك أن هذه الدراسات تعوزها الطريقة الحديثة للبحث والعرض والتصنيف. فالرسائل وإن كانت قد تزحزحت قليلاً عن طرائق الأزهر التقليدية التي كانت تضفي على الآراء والمذاهب القديمة هالة من التقديس تجعلها بمنجاة من سهام المناقشة الطليقة والنقد الحر - إلا أنها مازالت في مجموعها محدودة بحدود التجميع والتنظيم للأبواب العامة في مختلف العلوم، ولا تخرج عن هذا النطاق إلا خروجاً جزئياً بأبحاث عابرة متفرقة يقع عليها قارئ هذه الرسائل في غضون صفحاتها دون أن يحس بوحدة فكرية تربط بين عناصرها وتوجهها وجهة معينة مما يبرز فيه أثر المجهود الشخصي الذي هو طابع التصنيف الحديث. يضاف إلى ذلك أنه حتى في نطاق التجميع والتنظيم لا يبدو في الرسائل والمحاضرات الحالية - فيما عدا القليل منها - أثر المجهود الشخصي في التجديد والابتكار في العرض
والأصل الذي تقضي به الطريقة الحديثة المتبعة في مثيلات هذه الرسائل والمحاضرات أن يتناول كل منها بالبحث نقطة معينة - لا باباً من الأبواب العامة - يدرسها الباحث دراسة مستفيضة من جميع نواحيها وما يحيط بها من ملابسات، ثم يعمل فكره ورأيه الخاص في ذلك كله، حتى يخرج بفكرة عامة تنتظم عناصر البحث وتقرر له كياناً مستقلاً يشهد عرضه لصاحبه بالبداء والابتكار، فيضيف بذلك جديدا إلى الموضوع الذي يعالجه، ومن شأن ذلك أن يثبت مقدرته على الاضطلاع في مستقبل حياته العلمية بإضافات جديدة من هذا القبيل يسهم بها في تقدم العلم والفن أن هو وفق إلى ابتكار آراء أو نظريات جديدة، أو يساعد على ذلك - على الأقل - إن وقف به جهده عند حد التجديد في العرض والتأليف المستساغ بين عناصر من الأبحاث جديرة بأن يبذل الجهد في تنظيمها تنظيماً علمياً جديداً وجمع شتاتها على هذا النحو. وهذا هو الهدف الأول للأبحاث والدراسات الأكاديمية المختلفة
كذلك يسترعي الانتباه في رسائل الأستاذية أن أصحابها لا يراعون فيها الطرائق الحديثة في التبويب والتقسيم والفهارس، فما يزال بعضهم يجري على الطرائق القديمة في ذلك متبعاً التقسيم التقليدي إلى أبواب عديدة وفصول، ومقتصراً على فهرس واحد في آخر الرسالة. وقليل منهم يحاول محاكاة الطريقة الحديثة في التبويب والتقسيم، لكنه يسير في