أهذه عدل في قسمة الأرزاق؟
صيحة قديمة على ألسنة المحرجين في أشباه هذه الأزمان، قيل إن أبا العلاء صاحها، فقال:
إذا كان لا يحظى برزقك عاقل ... وترزق مجنوناً وترزق أحمقا
فلا ذنب يا رب السماء على امرئ ... رأى منك ما لا يشتهي فتزندقا
والبيتان معروفان، ولكن الشك كل الشك في نسبتهما إلى أبي العلاء، وهما أشبه بكلام ابن الراوندي حيث يقول:
كم عاقل عاقل أعيت مذاهبه ... وجاهل جاهل تلقاه مرزوقا
هذا الذي ترك الأوهام حائرة ... وصير العالم النحرير زنديقا
وأشبه بكلام غيره ممن لا أذكره الآن حيث قال:
تبارك رزاق البرية كلها ... على ما قضاه لا على ما استحقت
فكم عاقل لا يستبيت وجاهل ... ترقت به أحواله وتعلّت
وما من صيحة في هذا المعنى هي أوجع من صيحة ابن الرومي في قصيدته البائية التي يقول فيها:
أتراني دون الأولى بلغوا ألا ... مال من شرطة ومن كتاب
وتجار مثل البهائم فازوا ... بالمنى في النفوس والأحباب
فيهم لكنة النبيط ولكن ... تحتها جاهلية الأعراب
أصبحوا يلعبون في ظل دهر ... ظاهر السخف مثلهم لعَّاب
غير مغنين بالسيوف وإلا الأقلا ... م في موطن غناء ذباب
ليس فيهم مدافع عن حريم ... لا ولا قائم بصدر كتاب
ولكنه يثوب إلى تسليم الحائر حين يقول:
تبارك العدل فيها حين يقسمها ... بين البرية قسما غير متفق
وما هو إلا تسليم الإعياء واللغوب لا تسليم الراحة والقبول
سمعت ذلك الرجل المسلم المذهول وهو ينظر إلى السماء ويصيح: أأنت موجود؟ فقلت: نعم! بل هذا هو الدليل على وجوده. فانه لأعلم بما حرمه الله من نعمة الإنسانية، فلو أراد أن يعوضه عما حرمه لكان قليلا في تعويضه أموال المصارف التي في القاهرة جمعاء