رضاه ما لا يقول في أيام سخطه، ويتقلب أمله في حالتي الرضى والسخط. فهل يريد أن يتحول العالم معه كلما تحولت به الصروف وتقلبت عليه الآمال؟. . . يشكون من تفاوت الأعمار والحظوظ، وهم إنما تعجبهم من الرجل شجاعته وهمته وجوده، لأن الأعمار مجهولة، ولن يكون لرجل على رجل فضل بشجاعة أو همة أو وجود لو زالت المخاطر من الدنيا وتساوي الناس في الآجال أو أمنوا الموت إلا في وقت معلوم، فإذا أمن الشيب والشبان فهل يرضيهم هذا العدل الذي لا تعيش معه فضيله، والذي يجعل الإنسان أشبه بالإنسان من اللبنة باللبنة، فتبطل مزايا البأس والذكاء والأريحية والمروءة: لا قائد ولا مقود ولا سيد ولا مسود ولا حاسد ولا محسود، ولا تتشعب علوم أو تتنوع صناعات أو تتعدد خصال وأعمال أو تتفرع أجناس واديان. فأي دنيا تكون هذه وأي حياة؟ إن هؤلاء الشاكين لو أسند إليهم أمر السكون لحاروا في تصور هيئة غير هيئته ولهدءوه قبل أن يؤسسوه)
منذ أربع وعشرين سنة كانت الحال كهذه الحال، وكانت الدنيا في أعقاب حرب كهذه الحرب، وكان أناس مسلمون وغير مسلمين يصيحون تلك الصيحة وهم ينظرون إلى السماء: أأنت موجود؟
وكنت طوال حياتي أرضى أن أقول مع البحتري في لاميته الميكالية:
أعد أجل النائبات رزيئة ... وفور الرزايا وانثلام الأماثل
ولولا اهتمامي بالعلي وانعكاسها ... لما ارتعت ذعراً من تعلي الأسافل
ولكني لا أرضى أن أصيح صيحة ابن الراوندي، ولا صيحة غيره من المحرجين في قسمة الأرزاق، لأن مقداراً من الدراهم ينقص هنا أو يزيد هناك لا يزري بنظام الكون كله ولا يساوي أن تنظر إلى القبة الزرقاء نظرتك إلى خواء
فالآن أجدني في هذه الحرب أعيد إلى نفسي ما ابدأته في الحرب الماضية، وأجد أن لامية البحتري تسعدني بالشواهد حيث تقول:
أواخر من عيش إذا ما امتحنتها ... تأملت أمثالا لها في الأوائل
وما عامك الماضي وإن أفرطت به ... عجائبه إلا أخو عام قابل
أجل هي ليلة شبيهة بالبارحة، وفي كل عام قابل أو غابر عجائبه التي تغنيه، ومسائله التي