بل منحتك الجامعة هذه الدرجة لحسن مناقشتك لتلك النظريات وتزييف ما يستحق التزييف منها، وإحقاق ما يستأهل الإحقاق، ولو من وجهة نظرك أنت، لا من وجهة نظر الممتحنين. . . ويؤسفني أن تضطرني إلى تذكيرك بهذا كله بعد كل ما نلته من درجاتك الجامعية. . . كما يؤسفني أن أراك تقف هذا الموقف في قضية لا تستطيع أن تجهر برأيك فيها بعد أن أعلنت (أنا) للعالم أنك عندي أجرأ كاتب في مصر، بل في لشرق العربي كله! فإذا سألتك هل تخشى على الإسلام شيئاً من إعلان ما تعتقد أنه الحق في نظرية وحدة الوجود نفيت ذلك النفي الشفشاف، وقلت: كلا، بل خشيتي هي على عامة المسلمين الذين لا خير لهم في الإيمان بهذه النظرية. . ولست أدري لماذا لا ترى لهم مصلحة في الإيمان بها؟ أليس كما قررت في كتابك لأن هذه النظرية تهدم القوانين والشرائع وتنسف الأخلاق المقررة التي تواضع عليها الناس، والتي يكون أمرهم بدونها فوضى يستوي فيها الخير والشر، والتقى والدعارة، والهدى والعمى، والرشد والغواية، والأبيض والأسود، والسجود بين يدي الله الواحد القهار، وإكباب المرء على حليلته في وضح النهار!
ما هذا الموقف الزئبقي يا صديقي؟
كيف تتنكر لماضيك بهذه السهولة وبذل اليسر؟ وكيف تخشى أن تعلن عن رأى تؤمن أنه الحق، وأنت تعلم أنه ينقض ديننا الحنيف وينافيه، لأنه دعوة إلى التجسيم والحلول، وإن حاول أهل وحدة الوجود أن ينكروا ذلك بادعائهم أن جميع المخلوقات باطل ووهم لأنه لا موجود إلا الوجود المطلق الكلي؟
وبعد. فقد كنت لخصت آراء صاحبك الرصافي التي علق بها على كتابك في التصوف. . . وقد ذكرت أن هذا الرجل يجهر بما يأتي:
١ - أن محمداً صلى الله عليه وسلم هو مخترع خرافة وحدة الوجود
٢ - وأنه لم يخبر بذلك أحداً من أصحابه إلا ما لمح به لأبي بكر
٣ - وأن القرآن من تأليف محمد بدليل ما دأب على ذكره من قوله: قال محمد في القرآن
٤ - وأنه كان يعتذر لمحمد عن ذلك بأنه كان يفنى في الوجود المطلق الكلي فيخيل إليه أنه ينطق بلسان الله الذي هو هذا الوجود
٥ - وأنه لا يرى معنى للصلاة والأدعية لأنها لن تغير في نظره شيئاً من قوانين الوجود