الأستاذ حبيب (الزحلاوي) ليس مصري الأصل - كما هو واضح من نسبته - وللبيئة في بعض جاراتنا الشرقية إشعاعات معينة، قد لا نحسها في البيئة المصرية على هذا النحو من العنف والوضوح. وهذه القصص تحمل - عدا طابعها الإنساني العام - طابع هذه الإشعاعات البيئية الخاصة
بعض هذه الجارات يضيق بسكانه، فهم أبداً يمدون أبصارهم إلى مطالع أُخرى: تارة تكون هذه المطالع نقلة جسم إلى حيث تتوافر وسائل الحياة. وتارة تكون نقلة روح، إلى حيث الغنى والثروة، أو السعة والحرية
وأقول الحرية، لأن التقاليد الدينية والاجتماعية، ولاسيما قبل ربع قرن، ربما كانت من الصلابة والشدة بحيث يفر منها الكثيرون ينشدون الحرية والطلاقة أما بأجسامهم وأما بخيالهم. فهناك أبداً رغبة في الانطلاق، وهناك أبداً شيء من العنف في التفلت من القيود، وفي الإقبال على الحياة
حلم الثروة، وحلم الحرية، هما الحلمان الواضحان في كل قصة من هذه القصص على وجه التقريب، وهما ينبعان من منبع واحد، ويتجهان في اتجاهين ومتضادين، يؤديان في النهاية إلى طابع واحد؟
هما ينبعان من الضيق بالواقع: الواقع المادي، والواقع المعنوي، الضيق بالمجال المحدود الذي لا يتسع لأهله من السكان. والضيق بالقيود والتقاليد، التي تقف دون أشواق الإنسان
وهما يتجهان في اتجاهين متضادين: أحدهما الرغبة في الغنى والحرص على جمع الثروة، (وقد تقود الرغبة والحرص إلى الجور على المتعة بالحياة، والانطلاق مع الأشواق) وثانيهما الرغبة في الانطلاق من القيود، والاندفاع للمتاع (وقد تقود الرغبة والاندفاع إلى التضحية بالغنى، والاستهتار بالمال)!
وهما يؤديان - في تناقضهما - إلى طابع واحد: طابع التقلقل والاضطراب، والحيرة بين هذا وذاك
وينشأ من هذا كله إشعاعات نفسية خاصة، هي التي تجمع في النفس الواحدة بين يقظة التاجر وحلم الشاعر؛ وبين عنف الثائر وترفق المهاجر، وبين استغراق البوهيمي، وروحانية الصوفي. .