وكل هذه الإشعاعات تبدو في هذه القصص على السواء. تبدو وتبدو معها صفحات في وصفها وعرضها وتحليلها، هي التي تجعلني أقول: إن هذه المجموعة من أفضل المجموعات التي ظهرت باللغة العربية
من عيوب هذه المجموعة أن يحفل بعضها بالتوجيهات الفكرية، والنظريات الفلسفية والاجتماعية، بحيث يطغى هذا على صور الانفعالات النفسية، والحوادث الواقعية. والفن فن. وهما يكن للعلم والفلسفة من مكانة. فيجب ألا يجتازا عتبة الفن إلا بمقدار، ومقدار لا يبرز بل يبقى وراء الستار
وقصة (إشاعة طلاق) مثال بارز لهذا العيب في المجموعة، فهي قصة رجل فنان تزوج، وسارت حياته الزوجية في المبدأ كما يبتغيها فنان، ثم نظر. فإذا المرأة قد صارت أماً وربة بيت لا عروساً جميلة، ولا زوجاً أنيسة. فضاق بها وهجرها، وانطلقت في محيطهما (إشاعة طلاق) وفي النهاية يرسل إليها رسالة طويلة، يشرح لها فيها ما دعاه إلى العزلة، ويبين لها وظيفة المرأة الكاملة، مع رجلها الفنان
في هذه الرسالة (توجيهات) أطول مما تحتمل الأقصوصة، وأبرز مما يحتمل العمل الفني. وهذه التوجيهات لها قيمتها في ذاتها، وهي تحليل صحيح لنفسية الفنان، ولوظيفة المرأة ولواجب الزوجة. ولكن قيمتها هذه لا تبرر حشرها - بهذا الطول - في أقصوصة وكان خيراً أن تبدو في حركات ولفتات، لا في عبارات وكلمات
ومن عيوبها كذلك بعض أخطاء السياق كما في قصة (تربص القدر) حيث يلتقي القصاص بزميل له لم يره منذ ست سنوات. كان هذا الزميل من الدعاة ضد الزواج. فإذا لقيه اليوم بغتة، اندفع يقص عليه أنه تزوج وأنه أسعد مخلوق بهذا الزواج. ثم يقص عليه كيف تزوج في نوبة حماسة إنسانية وكيف وجد الحياة الزوجية التي كان يخشاها حياة جميلة حافلة بما لم يخطر له على بال. . . وبعد هذا كله يفاجئه بأن زوجته قد ماتت منذ أيام، وأن حياته الآن لا تطاق، وأنه خرج ذاهلا يتمشى في الطرقات!
إن أنساناً منكوباً، خرج ذاهلا يتمشى وحده في الظلام حين يلقى صديقه لا يكون من التماسك بحيث يبدو سعيداً، وبحيث يقص أولاً قصة سعادته. إن الطبيعي في هذه الحالة أن يبادر صديقه بقصة نكبته التي تسيطر هذه اللحظة على نفسه، وتتراءى مجسمة في