ولقد يبدو - من وجهة الفن القصصي - أن الطريقة التي سلكها المؤلف هي الأولى. لأنها تضمن شوق القارئ ومفاجأته مرتين: عندما يعلم بزواج هذا الذي كان داعية ضد الزواج، وبسعادته فيما كان يفر منه ويخشاه. ومرة عندما يعلم بالكارثة التي كان يتربص بها القدر، لينزلها به وهو في أوج سعادته
ولكن الصدق في عرض هذا الإنسان - وهو في حالة الذهول بالنكبة - أولى من كل حيلة فنية. وعلى قواعد العرض الفني أن تتحور وتحتال لتحقق الصدق - وليس على الصدق أن يتحور ويحتال! وقد كان هذا ممكناً لو أن المؤلف حكى عن زميله ولم يدعه يعرض حكايته بنفسه. أو لو أنه سلك آية طريقة أُخرى من طرق العرض الفني الكثيرة
إلا أنني احب هنا أن أنبه إلى أن هذه القصة لا تقوم على الحادثة وحدها. إنما تقوم - كمعظم قصص المجموعة - على استعراض المفارقات النفسية، والخلجات الشعورية والالتفاتات الذهنية، وهذا ما يجعل لها قيمة، وما يجعلنا نناقش عيوبها - كما نراها -
ومن عيوبها أن تغلب قوة المفاجأة على بساطة الطبيعة في قصة واحدة هي (عين زكية). فقد التقي القاص في ليلة زفافه والكاهن يربط بينه وبين زوجته برباط الأبدية. التقى بعيني فتاة استطارتا نفسه، فتمنى لو لقيها قبل هذا الرباط الذي ضاقت به نفسه منذ هذه اللحظة. ثم تسير القصة وقد علم فيما بعد أن هذه الفتاة صديقة زوجه. فكان هذا وسيلة إلى اجتماعهما وارتباطهما عشر سنوات. يستمتع فيها بالفاكهة المحرمة من بعيد، وتأبى هذه الفاكهة أن تستجيب لمن يطلب يدها، لأنها تؤثر حياتها في هذا الثالوث العجيب! ويستعرض المؤلف هنا مشاعره وخوالجه في كل موقف استعراضاً جميلا
وفجأة تعلم في النهاية أنها صنعت ذلك كله، لأنها تهيم بزميلتها!
لا نكران في أنها مفاجأة تامة لا يوجد في القصة أي إشعار سابق بها فلها في النفس هزتها. ولا نكران أن فيها سخرية بكل أحلامه وهواجسه، فقد كان يحسب ذلك كله لأجله! ولا نكران أن هذا الشذوذ هو حالة مرضية يعترف بها علم النفس الحديث!
ولكن هذا كله لا يساوي أن تسير الحياة على طبيعتها، وإن تكون هذه العقدة بسبب أي حادث آخر غير هيامها بزميلتها، وأن تختم القصة خاتمة أُخرى