الرسم القديم قد نشأ عن مبالغته في الاختزال والتعمية وإغفال الرمز إلى كثير من الأصوات التي ينطق بها في الكلمة فلا يرجى له إصلاح جدي إلا بالقضاء على اختزاله وتعميته واعتماده على فراسة القارئ. وهذا يستلزم حتما أن يطول رسم الكلمة حتى تكون رموزها معبرة تمام التعبير عن جميع أصواتها. هذا إلى أننا لم نأل جهداً في تحقيق أقصى ما يمكن تحقيقه من الاقتصاد في مجهود القارئ والكاتب والطابع، مع عدم الإخلال بالغرض المقصود، وذلك بما تضمنته طريقتنا من الأصول المشار إليها في موادها التاسعة والعاشرة والحادية عشرة والثانية عشرة. على أنه من الممكن أن تحذف علامة الحرف المفتوح لكثرة دوران الفتحة في اللغة العربية، ونثبت علامة الحرف الساكن لقلة دوران السكون، فيتحقق بذلك بعض الاقتصاد؛ وإن كانت الطريقة الأولى أكثر مطابقة للنطق
(وثانيهما) أنها ترسم حروف الكلمة متفرقة. ولكن رسم الحروف متفرقة أسلوب سليم لا غبار عليه ولا غرابة فيه. فقد سار عليه معظم أنواع الرسم السامي (الفينيقي والعبري والآرامي والحبشي واليمني. . .) وسار عليه الرسم العربي نفسه في أقدم صوره، ويسير عليه الآن الرسم الأوربي في الطباعة؛ بل لقد أخذ هذا الأسلوب منذ أمد غير قصير ينفذ إلى أقلام الكاتبين باللغات الإفرنجية، وأخذت مدارس كثيرة تسير عليه في تعليم الهجاء الإفرنجي وتأخذ تلاميذها به في كتاباتهم. وقد رأيت بعد تفكير طويل أن هذا الأسلوب وحده هو الكفيل بتخليص الرسم العربي من عيوبه وتحقيق الغايات التي نرمي إليها على أحسن وجه وأكمله. فبفضله نستطيع أن نرمز إلى أصوات المد القصيرة (الحركات) بعلامات ترسم في هيكل الكلمة لا فوق حروفها أو تحتها، وبفضله يصبح لكل حرف صورة واحدة لا تتغير، مهما كانت حركته وكان موضعه في الكلمة
صحيح أن من اعتاد الرسم والقراءة على الطريقة القديمة التي تقوم على الاختزال ووصل الحروف بعضها ببعض، سيعاني بعض العنت في السير على هذه الطريقة المفصلة المتفرقة الحروف. ولكن قليلا من المران كفيل بتخفيف هذه العنت وإزالته. على أن عبأه سيكون مقصوراً على أهل الجيل الحاضر ممن تعلموا على الطريقة القديمة. وأمر كهذا لا يقام له وزن بجانب ما تحققه الطريقة المقترحة من تقويم للألسنة والأقلام، وصيانة للعربية الفصحى، وتسهيل في طرق تعلمها وتعليمها، وتثبيت لملكتها في النفوس، وتمكين كل فرد