بقوله:
لئن يوماً حدا بكمو حنين ... لسكان القبور الدارسات
وأوقفكم على قبري اعتبار ... أو استعبارُ عين الذكريات
فناجوني بناي أو كمان ... لتسعد في حفائرُها رفاتي
وفي قصائده (عازف) و (ناي) و (وداع عود) وغيرها من الألحان الشاردة، نحس بالأنغام التي صيغت من ذوب القلوب. . . فبعثت الذكرى وهاجت الشجن، وقد تحمل الأرواح أحياناً من دنيا الهموم وتجعلها تطوف بأشواقها على متن الغيوم، وقد يهيج النغم أشجان القمر فيقف على باب مغيبه ويتمنى لو مد بقاء له لكي يتمتع بأنات الوتر. ولا عجب أن نرى وحي الموسيقى يشيع في الديوان فهي والشعر أخوان تهيم بهما النفس الجميلة، وتسمو على أجنحتهما إلى دنياوات ساحرة
وهناك من القصائد ما هفت فيها روح الشاعر نحو أليفها حيرى مضطربة، أذكر منها (الموعود) و (وادي الأحلام) وقد تشيع روحه الحيرى هذه في كثير من قصائده ولكنها في هاتين أظهر. ولنستمع إلى هذا العتاب وما فيه من مرارة عذبة، إذ يقول في قصيدة وادي الأحلام:
أنسيت عهدك والزمان مسالمي ... فتركتني والبؤس من أخداني
أم شاق قلبك غير ودِّي شائقٌ ... فرميت بي في وحدة الأحزان
يا سالياً ما إن ذكرت زمانه ... إلا بكى زمني وأنَّ مكاني
ثم يصف لنا ما كان في وادي أحلامه من طير وشجر وماء وزهر، وكيف كان الماء يروي للبنفسج شوقه هيامه بمراشف الأغصان، إلى أن يقول:
يا من رسمت خياله بمدامعي ... وحملت من ذكراه ما أشجاني
أنسيت وادينا وما كنا به ... من حلو أحلام وعذب أماني
كم ساعة للوصل في أحضانه ... سعدت بظل التوت والرمان
ولا أغفل عن ذكر قصيدته الجميلة (زهرة العمر) ومنها:
أخاف على زهرتي أن تموت ... وسلوة روحي في عطرها
لقد سمعت من فؤادي الجريح ... شجاه فكنته في سرها