للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

من هذه الحقيقة البيولوجية، يتبين لنا خطأ النظرة القديمة إلى الجنس. فليس الذكر والأنثى وحدتين مستقلتين تقوم كل منهما بذاتها، وإنما هما حالتان متماستان، قد يبلغ بهما التقارب أن يندمجا معاً ليكونا حالة مختلطة هي ما يعرف بالخنثى فليس في استطاعتنا أن نتحدث عن (النوع المذكر) و (النوع المؤنث) بل عن تلك السلسلة الطويلة من الحالات الجنسية التي تمتد ابتداء من الخنثى حتى تلك الأشكال المعتدلة التي تكاد تكون سوية طبيعية.

هذه هي النظرة الصحيحة إلى الجنس، وهي نظرة تساعدنا على أن نفهم تلك الحالات الكثيرة التي طالما نظر إليها الناس على أنها انحرافات غريبة أو حالات شاذة، مثل حالة (التخنث) وحالة (حب الجنس للجنس): ذلك أن التجارب قد دلتنا على أنه ليس من الحق أن هناك رجولة خالصة أو أنوثة خالصة. فإذا لم يكن في استطاعة أحد أن يفخر بأنه رجل كامل الرجولة فأي حق يكون لنا إذا حكمنا بالغرابة والشذوذ على قوم بلغت درجة الرجولة عندهم حدا أدنى بقليل مما يوجد لدينا؟ أن كل ما هنالك هو أن هؤلاء القوم قد اخذوا من الجنس الآخر قسطا أكبر مما لدينا، فلذلك ظهرت حالة (الاختلاط) عندهم بشكل أوضح. والتجارب قد دلتنا على أن التميز الجنسي التام، يكاد يكون معدوماً. فالرجل الخالص، والمرأة الخالصة، هما حالتان قلما يلتقي بهما المرء في الظروف العادية - كما يقول بيدل - وإذن فإن كل ما يميزنا عن أولئك الذين نعدهم شاذين منحرفين، هو أن الإفرازات الهرمونية الموجودة لدينا أكثر مما يوجد لديهم. وقد كنا جميعاً في البداية، ذوي نزعة جنسية إلى نفس الجنس بالقوة ولكننا لحسن الحظ قد تحولنا إلى الطريق الصحيح، بافتراقنا عنهم وأصبحنا أميز من حيث الذكورة.

يتبين لنا من هذه النظرة الجديدة إلى الجنس أن الناس يخطئون إذ يعممون أحكامهم، فيقولون بوجود فروق جنسية كبيرة بين الرجل والمرأة، وبخاصة حول موقف كل منهما من الزواج والحياة الجنسية. فليس الرجل والمرأة كالقطب الموجب والقطب السالب، وإنما الصلة بينهما أبعد ما تكون عن هذا التصوير الساذج البسيط. وعلى الرغم من أن الخلط بين (الإيجاب) والذكورة، وبين (السلب) والأنوثة، قد يبدو لنا حقيقة بيولوجية، فإن الواقع أنه خلط لا أساس له - كما بين ذلك فرويد - وحتى في الناحية الجنسية الخالصة، فإننا لا

<<  <  ج:
ص:  >  >>