في مذكراته ورسائله. فقد كتب عن ثورة الفلاحين في (بواتو) التي سبق ذكرها في تاريخ حياته يقول: (لا أنكر أن بؤسهم جعلني أنظر بعين الشفقة إلى تمردهم). ثم طلب من الوزير مازاران في ذلك الوقت أن يمنحه حق العفو. ولما أجيب إلى ما طلب أحسن استعمال هذا الحق، فلم يخدش شرفاً ولم يسفح دماً. وقبل موته بقليل أي في عام ١٦٧٤ كتب إلى الآنسة دي سكوردي يقول:(بودي لو تنفق سوق الرحمة وتصبح بدعة يولع الناس بها، فلا يقع بصرنا بعد ذلك على بائسين). وكثيراً ما رأته مدام دي سفنييه (متلبساً بالحنان)، فأدركت أنه يظهر من عواطفه وقلبه غير ما يبطن. ويغلب على ظننا أن هذا الرجل لم يميز طبيعة نفسه عن الأثر الذي أنشأته فيها البيئة والبلاط. فقد اشترك في الدسائس ورأى الأمراء والعظماء يتكالبون على متاع الحياة، ويجدون في البحث عن مصالحهم الذاتية في جشع وخسة، فكرههم واحتقرهم وقسا في الحكم عليهم، مع أنه بطبعه كريم رحيم. وأثر البيئة هو الذي جعله يخلص الود لعدد قليل من الناس اختارهم قلبه، وهذا شأن المتشائمين أمثاله، يضعون كل افتقارهم إلى الحب في بعض أفراد أعزاء عليهم. وهذا الافتقار إلى الحب هو جوهر نفورهم من الناس
وكان لاروشفوكو إلى جانب الصفات التي سبقت، طموحاً ولو أنه ينكر ذلك. لم يستحوذ عليه طموح ريشيليو، أو على الأقل عجز عن بلوغ شأو هذا السياسي العظيم، فتمنع بالسعي وراء الحصول على لقب لزوجه، والسماح له بدخول قصر اللوفر في عربة. فلما أخفق في سعيه، اقتصر طموحه على كتابة (المواعظ)
وقد حال خجله دون دخوله مجمع العلماء لأنه كان يعجز عن الكلام أمام جمع كبير من الناس، وتقليدات المجمع تفرض عليه أن يرد على خطبة الاستقبال بخطبة أخرى وما كان يجيد الحديث إلا في الصالونات الأدبية التي يؤمها عدد قليل من الأصدقاء الأخصاء. وكان من عادته أن يتكلم قليلاً، وينفر من الثرثارين الذين يدخلون الخطابة في الحديث، ويفرضون الصمت والإصغاء على غيرهم. ويعتقد أن (المصلحة الذاتية هي روح عزة النفس أو الأثرة) حتى في السمر والمناقشة، فإذا لم يفكر كل إنسان إلا في نفسه وفي قوله، شل الآخرين وبعث في نفوسهم الضيق والضجر، ويرى أن أمثل الطرق لإنعاشهم وإنقاذهم من الملل هو الإصغاء إليهم وإظهار الابتهاج بقولهم. ومن وصاياه المأثورة: (يجب