الإصغاء إلى المتكلم مهما كان حديثه واهي الرباط طائش الغرض عارياً من المعنى. ولا أوصي بتجنب معارضته ومقاطعته فحسب، بل أوصي أيضاً برياضة النفس على احتمال روحه وذوقه والاطمئنان إليهما والتشبع بهما، وإطراء قوله بقدر ما يستحق، ووضع هذا الإطراء في قالب أميل إلى الحقيقة منه إلى اللياقة والمجاملة). وعرف بالتجربة والملاحظة أن لا شيء أبغض إلى النفس وآلم للأذن من أن يجعل الإنسان نفسه محور الحديث في كل موطن، فتجنب ذلك جهد المستطاع
وكان يكره من المتكلم لهجة الثقة المستبدة والتعبير الذي يدل على البحث الطويل وإعنات القريحة، ويكلف بتوزيع القسط بين المعاني والمباني. ويميل إلى الإيجاز الممتع ويفخر بذلك (من شأن العقول الكبيرة أن تدل بقولها الموجز على كثير من المعاني. ومن صفات العقول الهزيلة أن تتكلم كثيراً ولا تقول شيئاً). وقد أجاد الإيجاز في مواعظه إلى درجة كادت تبلغ حد الكمال. ولنضرب مثلاً هذه الموعظة:(يملك الإنسان دائماً ما يكفي من الجلد لاحتمال آلام الغير)، فليس من المستطاع (تكثيف) التهكم في كلمات أقل من هذه. وهذا الإيجاز يجعل (للمواعظ) قيمة تاريخية هامة، لأنها تعين طوراً جديدا للنثر الفرنسي. وقد قدرها فولتير حق قدرها فقال:(يرجع أكثر الفضل في تكوين ذوق الأمة وجعلها تتعشق الأصالة والدقة إلى مواعظ لاروشفوكو)
وذكر معاصروه أنه كان دقيقاً في الحكم على الكتب التي تعرض عليه، وأنه كان يحب قراءة الكتب القيمة التي تتطلب الحوار والمناقشة، وترغم العقل على التفكير العميق. وكان من أحب الأشياء إلى نفسه أن يستمع إلى حديث ذوي العقول الراجحة إذا تكلموا في الموضوعات الجدية وجعلوا للأخلاق النصيب الأكبر من حديثهم. وهذا يدلنا على ولعه الطبعي بكتابة المواعظ
ومن تاريخ حياته يتبن لنا أنه كان مشغوفاً بالنساء في كل أدوار حياته. ولا يذكر اسمه في كل دور إلا مقروناً باسم امرأة تحمل لقباً كبيراً، أولها في تاريخ الأدب ذكراً جميلاً. واللهجة التي استعملها في كلامه عن عفة النساء، هي لهجة الرجل الغني العظيم الحب الذي لم يصادف في حياته امرأة تدمي قلبه بالصد والدلال
وكان يفضل مجلس النساء على مجلس الرجال. يدلنا على ذلك قوله: (إني أحترم النساء