والحجة لا تستقيم بذكر طبائع الفرد وخصائصه، لأننا بصدد حرب بين دولة وأخرى، ومن المسلم به أن طبائع الجماعة تختلف عن طبائع الفرد، كما هو معروف لكل من درس علم الاجتماع
والدليل على نقض تلك الحجة النفسية هو نفور الجند من هذه الحرب الحاضرة من الحرب، لأنها جماعات وكتل بشرية تترك في الميادين يفقد فيها الفرد شخصيته المستقلة.
وأبلغ دليل في هدم كيان تلك الحجة النفسية القائلة يجب الكفاح. وتغلب الغريزة والشهوة والأنانية، أن الأفراد يعيشون في داخل الدولة الواحدة، ويرتفع عددهم إلى ملايين قد تزيد على المائة، وتسود فيهم بطبيعة الحال غرائز الكفاح والأثرة والمغالبة والنزوع إلى السيطرة والسلطان، ومع ذلك تعيش هذه الجماعة، الواحدة كخلية النحل، كل فرد يقوم فيها بعمل، يكسب معاشه، ويتصل بغيره من الأفراد في سبيل كسب المعاش، دون أن تقع بينهم معارك دامية، إلا ما يحدث من الخصام المعروف بين الأفراد، الذي يحله القانون ويقتضيه الأمن والنظام.
فنحن نسلم بوجود النزعة إلى الكفاح في الفرد، وقد اقتضت الحضارة والمدنية أن توجه هذه النزعة إلى كفاح الحياة والتغلب على عقبات المعيشة، وتذليل البيئة المحيطة بالإنسان وتسخيرها لمصلحته، ودفع عدوان الأمراض والأوبئة وهي أفتك بالإنسان من أسلحة الحرب.
والبوليس والقضاء كفيلان بضبط الأمن وحفظ السلام بين سكان الدولة الواحدة.
فالمسألة في السلام هي خضوع الجماعة لحكومة واحدة ونظام واحد، لأن الحرب تقع بين الدول لا بين الأفراد.
فهل يصبح العالم بأسره خاضعاً لحكومة واحدة، وتتحول النزعة الوطنية إلى دولة واحدة وعالم واحد ونظام واحد؟
ذلك أن العلة الأساسية في الحروب هي انقسام العالم إلى دول تنطوي على نفسها، وتحتفظ كل واحدة منها بشخصيتها المستقلة، وتشيع العقيدة في نفس بعضها أنها أقوى من غيرها بأساً، وأسمى عقلاً، وأرفع منزلة، وأوسع علماً.
لهذا وقعت الحرب الحالية لانقسام العالم إلى دولة عظمى وإمبراطوريات كبيرة تتنازع على