ولهذا أيضاً ستقع الحرب المقبلة - وأنا لا أشك في هذا - بعد أن تضع الدول السيوف في أغمادها، والطائرات في حظائرها، لأنهم يقولون: إن العالم ستتحكم فيه الدول الثلاث المنتصرة: إنجلترا، وأمريكا، وروسيا، وقد يضيفون إليها الصين أو فرنسا.
ستقع الحرب في الجيل المقبل أي بعد عشرين عاما كما يقال، وقد تقع بعد جيل آخر أيضا، ولكن الخطوات التي يخطوها العالم في سبيل التطور والوحدة، فخطوات سريعة جداً، هي التي تجعلنا نقول بأن السلم قريبة الآن.
ونحن نؤيد هذا القول بشواهد في التاريخ، معتمدين على النظر إلى تطور الإنسانية خلال العصور الطويلة.
ذلك أن الجماعات كانت تعيش قديما في مدن صغيرة، أو قبائل متناثرة، ثم اقتضى الرقي والعمران أن يلتئم شمل المدن في دول، وأن تتسع رقعة القبيلة فتصبح شعباً كبيرا.
وكلما اتسعت الدولة زالت الفوارق بين الناس في اللغة والتقاليد والعادات والفكر والدين.
وقد ظهر في العالم عامل جديد لا ينبغي إغفاله لكل من يريد أن يبحث في تطور البشر. وهو عامل سيقلب كيان الإنسانيةكلها ويغير من مظهرها القديم.
هذا العامل هو سرعة المواصلات البرية والبحرية والجوية، فأصبح انتقال الإنسان في أرجاء الدنيا الأربعة من أيسر الأشياء. وإن آثر أحدنا البقاء في مكانه ولم يكلف نفسه عناء إلى شتى بقاع العالم، فمن اليسير عليه أن يفتح المذياع فيتلقى أنباء العالم في لمح البصر. وانظر بعد كيف يتم التقارب الشديد بين الناس جميعاً في الفكر وأسلوب الحياة.
وهذه خطوة بالغة الأثر في توحيد العالم
وستعقبها خطوات أُخرى يخيل إلينا أنها قريبة الوقوع وهي وحدة اللغة، ووحدة التقاليد، ووحدة الزي، ووحدة الأساليب في شتى فروع الحياة.
ألا ترى أن تركيا اصطنعت الكتابة بالحروف اللاتينية. وأن عبد العزيز باشا فهمي يريد في مصر مثل ذلك. والدلالة التي نعتبر منها في مثل هذه الحالة وأشباهها، هي النزعة الشديدة نحو اتحاد العالم في مظهر واحد. ولن يتأخر اليوم الذي تتم فيه هذه الوحدة لما ذكرناه من سهولة شتى المواصلات وسرعتها.