ولا يغيب عن بالنا أن نذكر في هذا الصدد ما دار في الأذهان في أوائل هذا القرن وأواخر القرن الماضي من محاولة اختراع لغة عالمية سموها في ذلك الوقت (اسبرانتو). وقد ماتت الفكرة حيناً من الدهر، ولكنها أخذت تبعث الآن. فتوحيد اللغة أمر لابد من وقوعه لأنه لا يتوقف على الأمل والنية، بل يعتمد على طبيعة الأشياء. وطبيعة العمران الجديد الناشئ عن تيسير المواصلات بين أجزاء العالم، تقتضي حتما التفاهم بين الناس بلغة واحدة
ومن العوامل القوية في منع الحروب وتحقيق السلام بعد توحيد العالم على النحو الذي وصفنا وقوعه في المستقبل، انتشار التعليم بين سواد الناس، وما يتبع ذلك من رقي عقلي، ونزوع إلى تغليب الحكمة على الشهوة، وحل المشكلات بالعقل لا بالقوة. وكلما ارتفعت عقليات الأفراد صعب قيادهم قياداً أعمى لمصلحة ذوي المطامع الذين اصطلحوا على تسميتهم بمجرمي الحرب، ولا ننس أن الحرب صناعة كسائر الصناعات، ويحتاج إعدادها إلى تهيئة جيش مدرب على استخدام السلاح، ويعتنق فلسفة العدوان ويكره الجنوح إلى السلام، والعالم يسير الآن نحو خطة جديدة يرمي بها إلى نزع السلاح، ويجري في التعليم على بث روح السلم واعتناق فلسفة السلام
هذا التطور السريع الذي نشاهده في العالم يرمي إلى اشتراكية اقتصادية لاشك فيها الآن. وقد كانت الشيوعية هي المذهب المنتظر للفلسفة المادية التي تبغي إلغاء الملكية ومنع الاستغلال المزري، ولكنها اعتدلت فأباحت شيئاً من الملكية لضرورة العمران، فاقتربت بذلك من المذهب الاشتراكي الذي أصبح واقعاً في جميع الدول الآن. ومن شأن تنظيم الاقتصاد العالمي، وتيسير المعيشة لكل فرد في طعامه وشرابه وملبسه ومسكنه وتعليمه، أن يشعر جميع الناس بالراحة من جهة معاشهم، فلا يبقى محروم تدفعه الحاجة إلى الثورة وامتشاق الحسام للحصول على الطعام
فإذا ذهبنا مع أصحاب الفلسفة المادية الذين يفسرون جميع الحروب التي حدثت في التاريخ تفسيراً اقتصادياً، فإن تحقيق المساواة لجميع سكان العالم في الحياة المادية، وهو ما يقضي به التطور الذي نشهد آثاره، كفيل بمنع الحرب وإقرار السلام، ولهذا صح ما نقوله من أن السلم حلم قريب الأمد، لا أنه حلم الأبد