للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إلى حضرة السلطان والملك الذي ... حمى بيضة الإسلام بالبيض والسمر

هو الملك المنصور بادي الذي له ... مدائح قد جلت عن العد والحصر

سليل ملوك الفونج والسادة الألى ... علا مجدهم فوق السماكين والنسر

وظلت هذه الصلات وثيقة العرى حميدة الأثر حتى ضعفت دولة الفونج وصار الأمر فيها إلى مواليها من (الهمج). وكان القرآن هو الدعامة الكبرى للتعليم في ذلك الوقت، تخصص على درسه وتدريسه فقهاء إجلاء من علماء الأزهر وعلماء السودان

ومن أشهر هؤلاء في ذلك العهد، الشيخ إدريس بن محمد الأرباب، اشتهر بالفضل والتقوى، حتى لقب بسيد الأولياء، وكانت له ولأحفاده من المكانة عند ملوك سنار ما جعلهم ملجأ المستغيث ومأمن الخائف. واشتهر بعده الشيخ حسن بن حسونة الذي جاء أبوه من الأندلس، فسكن (كركوج) على النيل الأزرق، واشتهر بالصلاح والتقوى. وفي هذا العهد أيضاً رحَّب السودان بعلماء كثيرين وردوا ساحته من سائر البلاد العربية، كالشيخ تاج الدين البهاري الذي جاء من بغداد، والشيخ إبراهيم بن جابر البولادي من مصر، والشيخ محمد العركي من مصر أيضاً. وفي المخطوط التاريخي الذي يعرف عند مؤرخي السودان (بطبقات ولد ضيف الله) ذكر الكتاب نيفاً وتسعين من رجال العلم والدين في ذلك العهد في مختلف أنحاء السودان لا داعي لاستعراضهم جميعاً

أما الكتابة الفنية الخالصة والشعر الوجداني المشبوب فما كانا غرضاً من أغراض الكتاب في دولة الفونج، إذا استثنينا الشعر الشعبي الذي لا يتقيد بالفصحى، والذي يعرف عندنا (بالدوبيت) وإنما كانت الكتابة وسيلة لمدح، أو رداً على رسالة أو تهديداً لخصم، وكان عمادها الجملة القرآنية، والاقتباس من الأحاديث النبوية، مع التزام السجع، وتقطيع الكلام إلى فقر قصيرة. وإليكم مثلا الرسالة التي رد بها السلطان محمد عدلان على إسماعيل بن محمد علي قائد الجيش المصري الفاتح عندما طلب منه التسليم، قال:

(لا يغرنك انتصارك على الجعليين والشايقية، فنحن الملوك وهم الرعية، أما بلغك أن سنار محروسة محمية، بصوارم قواطع هندية، وجنود جرد أدهمية، ورجال صابرين على القتال بكرة وعشية؟)

وكانت الحياة الأدبية في مملكة دارفور المعاصرة لمملكة سنار الآنفة الذكر، والواقعة في

<<  <  ج:
ص:  >  >>