غرب السودان مماثلة لما تقدم وصفه: حركة دينية عمادها القرآن والحديث والمذاهب، وأشعار مصطنعة في مدح الملوك والسلاطين، والفخر والحماسة، وتعليم أساسه الدين يبذل في المساجد وبيوت القرآن
ثم دالت مملكتا سنار ودارفور العربيتان، واستتب الحكم المصري في السودان سنة ١٨٢١ ميلادية، فاستمرت شعلة الإسلام متقدة وكثرت الطرق الصوفية في طول البلاد وعرضها وصار لأربابها من النفوذ ما يداني نفوذ السلطة، وانتشر علماء السودان الواردون من الأزهر في أنحاء البلاد، وازدحم الطلاب على أبواب كبارهم كالشيخ القرشي والشيخ محمد الشريف من زعماء الطريقة السمَّانية الكبار
وقد نشر المصريون في السودان عدداً من المدارس الأولية، وأنشئوا مدرسة وسطى بالخرطوم بنظارة الشيخ رفاعة بك الطهطاوي، وشمل خديويو مصر المساجد برعايتهم فأجروا أجور الأئمة، وقاموا بإصلاح الكثير منها، ولكن مما يؤسف له أن الشطر الأكبر من هذه الجهود ما زال مطوياً عن الجمهور في الوثائق الرسمية، ولم يصل بعد إلى آذان الجمهور في مصر في السودان. بيد أن سوق الأدب كسدت في أواخر الحكم المصري لاضطراب الحالة السياسية وضعف الإداريين واستبداد الجباة. وكان النثر على نوعين في هذه الفترة: لغة الدواوين التي تكتب بها التقارير وتصدر الأوامر وكانت مهلهلة لا ترمي إلى غير الأداء. ولغة العلماء والفقهاء التي ظلت تحتذي أسلوب القرآن وتسرف في تضمين آياته وأحاديث الرسول، ومن أشهر علماء هذه الفترة الفقيه السنوسي بقادي، والفقيه محمد الحاج الطيب إمام جامع الخرطوم في ذلك الحين، والفقيه محمد علي ولد العباس، والشيخ الطريفي بن الشيخ يوسف، والشيخ حسن ولد بان النقاب وكثيرون غيرهم.
وعندما انتهى الحكم المصري على يدي الثورة المهدية ازدادت شعلة الدين توهجاً، وامتزجت السلطة المدنية بالسلطة الدينية تماماً. وكان المهدي رجلاً متفقهاً في الدين متمسكاً بالكتاب والسنة، وكان على ذلك بليغاً سيال العبارة سلس الأسلوب، وقد عمل مخلصاً على نشر الدين وبث العلوم القرآنية. وكان إذا ما صلى صلت الأمة كلها وراءه، وكان إذا ما جاهد اندفع الجميع تحت لوائه. ولعل في النبذ الآتية من خطبه ومنشوراته ما يوضح ما