ولكن لم كل هذا، وغيره من الناس لم يكن ليفعل ذلك لو كان مكانه؟ ولا سيما أن الكنيسة طلبت إليه أن يقارعها بالحجة وقد كان من الطبيعي أن ينتصر عليها لو أنه قبل ذلك، لأنه على حق فيما يقول، ولأن تعاليمها متناقضة لا يصح أن يقبل عالم مثله أن تذاع على الناس فيقبلوها كأنها حقائق ثابتة غير قابلة للبحث والتمحيص. ولكنه لم يبغ قتالاً مع الكنيسة، بل سار معها موافقاً على كل ما طابت إليه، مكتفياً بالبقاء على عقيدته في نفسه واجداً فيها فضولياً متحرشاً واصفاً إياها (بأن واجبها هو تعليم الناس كيف يسيرون إلى عالم السموات، لا كيف يسير العالم السماوي).
وبذلك استطاع أن يجد في بعض الأحيان تعضيداً من سلطة الكنيسة، لولا المتعصبون الذين كانوا يضغطون عليه ويضطهدونه بين آونة وأخرى، لما وقفت الكنيسة قط في وجهه، بل كثيراً ما حماه الباباوات والكرادلة ودرأوا عنه السوء، عنه السوء، بل كان يعلم بعضهم أنه على حق في بحوثه العلمية، وكثيراً ما لمحوا إليه بالهروب من أعدائه في الوقت المناسب.
وقد بعثت الكنيسة إليه يوماً بالكردينال بللارد ليوبخه ويحذره، ولكنه بدلاً من أن يفعل ذلك أرشده إلى طريق التعبير عن نظرياته، فكتب إليه (لا تقل إن الأرض تدور حول الشمس بل قل لنفرض أنها تدور حول الشمس، لأن من الخطر عليك أن تقول بأنها تدور، ولكنه من المأمون قولك بفرض دورانها) وبذلك ظل جاليليو يفرض قي الظاهر وهو مؤمن بالحقيقة في الباطن مؤكداً أن للحق الغلبة في النهاية.
وقد ولد أسحق نيوتن في ٨ يناير سنة ١٦٤٢، وهو اليوم الذي توفي فيه جاليليو، وبذلك بدأ فصل جديد من حيث انتهى آخر. ولم تؤيد نظرية الأرض وموقعها من المجموعة الشمسية ودورتها فقط، بل أصبحت العقول تدرك جيداً حركات الكواكب وقانونها أيضاً.
وقد أصيب بالعمى في أواخر حياته، إلا أنه وهو أعمى كشف عن أقمار زحل، وبحث ودرس البقع الشمسية مستعيناً على ذلك بتلاميذه بدل عينيه. وهو بشير لنيوتن وطليعة له، وإذا كان نيوتن هو الذي وضع قوانين الحركة وأثبت بالدقة الرياضية قانون الجاذبية بين الكون المرئي والقاعدة المضبوطة لحركاته، فإن جاليليو هو الذي مهد إلى ذلك وقاد نيوتن إلى الحقيقة الخالدة.
ولم يستطع إي بلاط بابوي في هذا الوقت تقييد أفكاره الطامحة، وأبحاثه العلمية، بل اكتفى