استطاع أن يمزج بين الحضارات المختلفة (من يونانية ورومانية وغيرها) وعن هذا المزج اجتمعت له مدنية قوية، أقام على دعائمها حضارة القرن التاسع عشر
وكما أن حضارتنا الحديثة ليست إلا ثمرة لذلك الامتزاج الذي تم بين الحضارات القديمة، فكذلك التيوتون هم أيضاً ليسوا إلا ثمرة للامتزاج الذي حدث بين العناصر الجرمانية القديمة، والسلافية، والسلتية. وأنقى مزيج لهذه العناصر الثلاثة هو ذلك الذي نجده في ألمانيا، فلهذا كان الألمان هم الشعب المختار. وليس ثمة أمارات جسمية خاصة تميز الألمان، فليس بلازم أن يكونوا طوال القامة، أو زرق العيون، أو بيض البشرة؛ وإنما هم يتميزون بصفات خاصة لا تمت بأدنى صلة إلى تلك الصفات الجسمية المزعومة:(فالألماني - كما يقول شامبرلين - إنما هو ذلك الذي تدل أفعاله على إنه ألماني، كائناً ما كان الأصل الذي ينتسب إليه)
ولكن؛ ما هي أظهر الصفات التي يتميز بها الطابع الألماني؟ إنها ليست إلا الإيمان الراسخ بمبدأ الزعامة المقدسة؛ أعني الخضوع للزعيم خضوعاً مطلقاً، وطاعة أوامره طاعة عمياء. فلو وجدنا هذه الخصلة لدى الإيطاليين أو الفرنسيين، فانه يكون علينا أن نعتبر هؤلاء أيضاً ضمن التيوتون، مهما كانت مواطنهم الأصلية التي ولدوا فيها. وعلى ذلك فإن الجنس هو خلق، وليس دماً أو وراثة. وإذا غيّر أحد نفسيته العنصرية فإنه بذلك يكون قد غيّر أيضاً جنسه أو عنصره. (وليس أيسر على الإنسان من أن يصبح يهودياً. . . فإن حسبه في هذا أن يديم الاتصال بجماعة من اليهود، وان يقرأ الصحف اليهودية)
بيد أن شمبرلين يعود فيقول:(إن الرجل الذي ينتسب إلى جنس نقي خالص، لا يمكن أن يفقد شعوره بالعنصر الذي ينتسب إليه مطلقاً. والسبب في ذلك أن ثمة ملاكا أو حارساً يذكره دائماً بعنصره، ويرافقه دائما في تنقله؛ ويحذره حينما يتهدده خطر الضلال، ويجبره على الطاعة، ويضطره إلى القيام بكثير من الأعمال الجليلة التي ما كان يجرؤ على القيام بها. . . فالجنس (أو العنصر) يعلو بالإنسان على نفسه، ويمده بقوى غير عادية، بل بقوى خارقة للطبيعة. وإنها لحقيقة تظهرنا عليها التجربة المباشرة أن لنوع الجنس أهمية كبيرة، وقيمة حيوية عظيمة).
وإذا تأملنا في هذه الأقوال المختلفة، فإن من السهل علينا أن نرى كيف أن شمبرلين قد وقع